في ظل تواصل الاحتجاجات الشعبية في لبنان التي أطاحت بالحكومة إثر انتفاض الشعب منذ ما يقارب الشهر في معظم المناطق&&اللبنانية، ومع تنامي اعتصامات الحراك المدني أمام العديد من الوزارات للمطالبة بمحاربة الفساد ومحاسبة الفاسدين وإعادة الأموال المنهوبة، و في ظل إغلاق العديد من الطرق في طول البلاد وعرضها، يترقب اللبنانيون ولادة حكومة جديدة قادرة على اجتياز المرحلة، بما يلبي مطالب الشعب المحقة داخليًّا كما تفي بالتزاماتها الدولية في السياسة الخارجية، &في وضع بالغ الحساسية واستحقاق شديد التعقيد. &

وفيما يغرق الاعلام اللبناني الداخلي في &تحليل العوامل الداخلية والتوازنات الطائفية والمطالب المعيشة، و شكل الحكومة المقترحة و انتماءات الوزراء المرشحين &المحتملة، تَسعى &مراكز صنع القرار الدولية والاعلام العالمي إلى قراءة الوضع ومقاربته في ضوء التوازنات الاستراتيجية الاقليمية والأجواء الأمنية، مطالبين بحكومة لبنانية تضمن ودون مواربة& تطبيق القرارات الدولية، لجهة حصر السلاح في يد الدولة اللبنانية وحدها، وضمان ألا يكون لبنان ممرًا لتمويل الارهاب إثر فرض العقوبات الاقتصادية على إيران، مع ما يتضمنه ذلك من فرض العقوبات على كل التنظيمات الموالية لها وعلى رأسهم "حزب الله". إذ أن تشكيل أي حكومة مرتقبة لن يُقدّر لها النجاح ما لم تنآى بنفسها عن التبعية لإيران. &

إذ أن هناك حرب اقتصادية حقيقية بين إيران والمجتمع الدولي ساحتها الفعلية لبنان، وهنا يكمن بيت القصيد.

فقد ضاق العالم ذرعًا من المراوغة السمجة التي يمارسها "حزب الله" من خلال الحكومات اللبنانية المتعاقبة، حيث عمد إلى تكريس الفساد من خلال ما يعرف "بالحكومة التوافقية"، لتكون الواجهة المنمَّقة له في المحافل العالمية، والمظلة الرسمية الأنيقة التي تضمن له الإفلات من الملاحقات القانونية الدولية وتَقيه شرّ العقوبات الاقتصادية. لذلك فقد حرِص ولا زال على أن تكون وزارة الخارجية من حصته أو حصة حلفائه،& وكثيرًا &ما كان يدفع برؤساء الحكومات إلى استجداء المساعدات الدولية والعربية للبنان، وفي الوقت عينه يعلن جهارًا نهارًا ارتباطه التام بإيران، و يُفاخر بتدخله العلني في الحروب والمعارك الممتدة في سوريا واليمن و العراق.

فما هي العوامل الخارجية الحقيقية المؤثرة في تشكيل الحكومة اللبنانية وما هي المطالب الدولية؟ وهل بمقدور لبنان مواجهة الحصار الاقتصادي والانهيار المالي المحتمل إذا لم تستطع حكومته الوفاء بالتزاماتها الدولية ؟

لفهم ذلك بدقة لا بد من الوقوف على&أحداث مهمة وزيارات محورية تبلورت في مواقف تبلورت في الآونة الأخيرة، أهمها : موقف الامم المتحدة، موقف البنك الدولي، الموقف الاميركي، وموقف الجيش اللبناني.

أولا : إعلان المنسق الخاص للأمم المتحدة في لبنان، يان كوبيش، إثر اجتماعه بالرئيس اللبناني ميشال عون، على أنه ينبغي على القيادة اللبنانية تكليف رئيس مجلس للوزراء على وجه السرعة، والشروع بعملية الاستشارات النيابية الملزمة والتعجيل في عملية تشكيل حكومة جديدة من شخصيات معروفة بكفاءاتها ونزاهتها، وتحظى بثقة الناس،&لتكون &بوضع أفضل لطلب الدعم من شركاء لبنان الدوليين، &وضرورة أن تعطي السلطات الأولوية "لتدابير عاجلة" للحفاظ على الاستقرار النقدي والمالي والاقتصادي للبنان،&ووضع الإصلاحات&الضرورية والحكم الرشيد وإنهاء الفساد والمساءلة دون الإفلات من العقاب على المسار السريع وبشفافية.

كما ان موقف الامم المتحدة واضح تمامًا في مطالبة لبنان بتطبيق القرارات الدولية واهمها القرارين& 1559 و 1701 بما يؤكد على نزع سلاح الميليشيات وعلى رأسهم "حزب الله"، و أن لا يكون هناك& سلطة غير سلطة الحكومة اللبنانية على كافة الأراضي اللبنانية.

ثانيًا : زيارة مساعد وزير الخزانة لشؤون مكافحة تمويل الإرهاب، مارشال بيلنغسلي للبنان&وشملت لقاءات مع مجموعة واسعة من المسؤولين اللبنانيين. وحملت هذه الزيارة رسالة واضحة في أن العقوبات الاقتصادية &الاميركية على ايران ستشمل "حزب الله"، وبالتالي فإن ستطال المؤسسات اللبنانية ذات الصلة، لذلك على&الحكومة القادمة ان تكون مستقلة تمامًا&وعليها&اتخاذ الخطوات اللازمة للبقاء على مسافة من "حزب الله" وغيره من الجهات الخبيثة التي تحاول زعزعة استقرار لبنان ومؤسساته. وبالتالي فإما أن تكون "حكومة مستقلة " تحظى بالدعم الاقتصادي والمنح المالية وإما أن يخضع لبنان للعقوبات الاقتصادية.

ثالثًا : تحذير البنك الدولي، من عواقب وخيمة على الاقتصاد اللبناني،&في حال عدم تشكيل الحكومة، بشكل سريع، لأجل استعادة الثقة في الاقتصاد.&ويأتي تنبيه البنك الدولي من السيناريو القاتم للاقتصاد اللبناني المتدهور،&الذي يعاني من مستويات مرتفعة من الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي ومستويات مرتفعة لعجز مزدوج.

رابِعًا: حرص قيادة الجيش على عدم الانزلاق للمواجهة مع المتظاهرين،&خصوصاً أن معظم الموفدين الدوليين قد عبروا عن ضرورة الحفاظ على الاستقرار بلبنان &وعلى تحصين موقع الجيش ودوره في حماية المدنيين والسلم الأهلي. وعلى الرغم من بعض الحوادث أو التجاوزات التي مورست بحق بعض المتظاهرين فإن الاطار العام لأداء الجيش &يوحي بأنه لا يريد المواجهة في قمع التظاهرات.

خلاصة الأمر، فإن المعضلة الحقيقية في &تشكيل الحكومة تَكمن في مدى استقلالية "الرئيس المكلف"، وذلك مرتبط بالمرونة التي سيبذلها "حزب الله" للتخلي عن دوره الاقليمي والعسكري، ومدى قبوله في الانصهار الفعلي في العمل المدني داخل المجتمع اللبناني، بعيدًا عن السلاح وحسابات ايران الاستراتيجية، فهل سَيقدّم "حزب الله" مصلحة لبنان واللبنانيين والاقتصاد اللبناني على مصالح إيران ؟! أم إنّه سيرفض ذلك و يعمل على فرض حكومة "تُرضيه" في مواجهة المجتمع الدولي ؟ وكيف سيتعامل مع المحتجين الثائرين الرافضين لكل أشكال المحاصصة والطائفية والفساد فهل سيدخل في مواجهة معهم في الشارع وماذا سيكون موقف الجيش اللبناني عندها؟ &

وهل سيقبل بحكومة يتضمن بيانها الوزاري تسليم سلاحه للدولة اللبنانية ؟ وهل ستلتزم مؤسساته المنتشرة في كل مكان، بعدم تهريب الأموال وغسيلها وجعل لبنان ومصارفه &المعبر الآمن للأعمال الغير مشروعة ؟

وفيما الطبقة السياسية غارقة في فسادها حتى النخاع، تدور المقايضات والمساومات بين ملوك الطوائف وأمراء الحرب، لإعادة إنتاج "شبه حكومات" عبرتسويات تضمن للحزب امتيازاته في السلاح والتمويل وهو يترك لهم "حرية اختلاس المال &العام" فيما الشعب يُسحق سحقًا تحت وطأة العوز والحاجة.

الشعب اليوم الذي أصابه القرف من كل شيئ وفقد الثقة في الساسة أجمعين سيجد نفسه أمام خيارين لا ثالث لهما، إما حكومة خبراء مستقلة تماما تلتزم القانون الدولي خارجيًّا وتعمل على محاسبة الفاسدين واعادة الأموال المنهوبة داخليا، وإما اعادة انتاج الوضع السابق نفسه&فيما الشعب يُطحن فقرًا وقهرا بين&مطرقة "حزب الله " وسندان العقوبات الدولية الاقتصادية.

فهل سَيفلح اللبنانيون في تشكيل حكومة مستقلة شفافة تقيهم شرالإفلاس أو الانجرار إلى حرب أهلية؟!