ثمة اليوم اسئلة كثيرة بخصوص مدى صحة وشفافية الصور التي تبثها وسائل الاعلام من داخل ساحات الاعتصام والتظاهر، ومدى تلاعبها بالدور(السلبي والايجابي) لنقل واقع الحال؟، والأسئلة هذه، هي وجيهة بحق ومشروعة في الآن ذاته، لأن الإعلام الجماهيري "Mass media" له أهمية لافتة في صناعة الحقيقة أو تزييفها وتشكيل الرأي العام أو تضليله، وعليه فعلينا أخذ الأمر بمحمل الجد والسعي لمقاربة الوقائع الإعلامية ورصد تحركاتها على مستويات الخطاب والتغطية وسياسة التعاطي مع الأحداث والمستجدات على الساحة العراقية.

بدايةً، ينبغي ان نفهم اولاً ان من يحدد خطاب وسائل الإعلام ومسار تغطيتها للأحداث والمستجدات، هو الجهة المالكة والممولة لهذه الوسائل. عُنصري الملكية والتمويل مهمان دوماً لفهم أهداف الرسائل الإعلامية ومضامينها. ولا ثمة ادنى شك في ان الإعلام العراقي اليوم منقسم الى ثلاثة اقسام، القسم الأكبر منه تابع للأحزاب والقوى المشاركة في العملية السياسية، والقسم الآخر عائد للشخصيات السياسية القريبة من دوائر السلطة والمعارضة، وقسم آخر منه يمثل الإعلام الحر والأهلي وهو قليل وضئيل مقارنةً بالقسمين الآخرين.

ومن هنا يمكننا قراءة وتقدير الدور الذي يلعبه الإعلام في التعاطي مع الحدث الراهن المتمثل في مظاهرات أبناء الشعب العراقي في الساحات والأماكن العامة للمدن العراقية.. وبرأي أن الإعلام هو أساساً عاجز عن نقل صورة حقيقية ودقيقة لكل ما يجري من داخل ساحات الإعتصام والتظاهر، ذلك لأن لكل وسيلة إعلامية ميزة مشتركة يطلق عليها "سياسة النشر" أو "سياسة البث".

هذا المفهوم هو الذي يؤطر لنا دوماً أسس التغطية الإعلامية لمثل هذا الحدث، ولأن هذه المسلمة هي ملحوظة بل مرئية لكل من يتابع ويتعرض لرسائل وسائل الإعلام بشكل متواصل، ولأنها مرصودة أيضاً على المستوى العلمي، نجد ان ثمة نظريات خاصة لتفسيرها وتعريتها!، وهذه النظريات تعني بدراسة وسائل الإعلام وتغطياتها الخبرية للأحداث والتطورات، وأحدى هذه النظريات هي نظرية "الأطر" أو "التأطير" وهي نظرية تقوم على أساس أن أحداث ومضامين وسائل الاعلام لا يكون لهامغزى في حد ذاتها الا اذا وضعت في تنظيم وسياق وأطراعلامية.

هذه الأطر تنظم الألفاظ والنصوص والمعاني وتستخدم الخبرات والقيم الاجتماعية السائدة، كما ان تأطير الرسالة الاعلامية يوفرالقدرة على قياس محتوى الرسالة ويفسر دورها في التأثير على الآراء والاتجاهات، ما يعني انه عندما يقع حادث معين فالحدث قد لا تكون له دلالة كبرى عند الناس ولكن وسائل الاعلام تصفه في اطار اعلامي من حيث اللغة والصياغة والتركيز على عنصر معين حتى يصبح هاماً في قلب الاطار الاجتماعي كله..

وبهذا المعنى اقول، ان التغطية الإعلامية لمظاهرات العراق أيضاً، هي الأخرى لاتخرج عن إطار هذه المعادلة التأطيرية!، فهي ليست دقيقة وموضوعية كلها وبشكل مطلوب، وإنما هناك تلاعباً ملحوظاً بالمعلومات والصور الواقعية والتحركات والمواقف وحتى الإقتباسات والآراء!، وبالتالي إخضاع المشهد كلياً لعمليات الفلترة والتقطيع والمونتاج والرقابة بشكل عام.

وحتى التغطية الحية للمظاهرات والأحداث عموماً، هي الأخرى، غير بريئة ولا محايدة لإنها تعمل وفق شروط مُسبقة تُحدد للمصور والمراسل، أو الفتوغرافر والمندوب كيفية التعامل مع الأحداث وإدارة عمليات التغطية والسبل المُتبعة في تهميش وإقصاء اجزاء أخرى من الواقع الحي إذا ما صادفوه أثناء التغطية ونقل الأحداث والوقائع.

*كاتب وأكاديمي- كُردستان العراق