القناعات السياسية تتغير وفق المصالح ونوع التحالفات والعلاقات الدولية ، ما كان يعتبر في حقب الستينات والسبعينات كفرا بواحا وخيانة عظمى لاتغتفر اصبح اليوم عملا وطنيا مشرفا وحراكا سياسيا ضروريا واجب القيام به ، دائما يقال ان الرئيس المصري الاسبق"انورالسادات" الذي زارالقدس ووقع على اتفاقية السلام مع اسرائيل وسط اندهاش العالم والعالم العربي بشكل خاص قد سبق عصره باربعين او خمسين عاما لانه قام بخطوة لم يسبقها احد من قبله وخاض غمارمغامرة سياسية غير محسوبة العواقب ترفضها الدول العربية ولايستسيغها المزاج العام للشعوب العربية، رغم الاحتجاجات العارمة التي عمت العالم العربي ولكنه استمر في مشروعه السياسي المثير للجدل الى ان لقي مصرعه وهو يسعى الى تحقيقه وجعله امرا واقعا.

واليوم اصبح التطبيع مع اسرائيل عملا استراتيجيا ضروريا لكثير من الانظمة العربية ، وبعضها لديها علاقات سياسية وتجارية سرية عالي المستوى معها ..

اسوء مصطلح سياسي متداول يمكن ان يسمعه الكردي ومن شأنه أن يعكر مزاجه ويصيبه بكآبة حزينة هو"التقسيم" الذي تم تقطيع اوصال كردستان"وتوزيعها على الدول الاقليمية" ايران وتركيا والعراق وسوريا" وفق اتفاقية سايكس بيكو ووضعها تحت رحمة انظمتها الفاشية التي عادة ما تستعمل كلمة "الانفصالي" كتهمة شنيعة عقوبتها الاعدام على اي كردي يدعو الى الاستقلال والخروج من وصايتها الاستعمارية.

ورغم التطور الديمقراطي الذي يشهده العراق والمكانة المتقدمة التي وصل اليها الكرد في المعادلة السياسية قياسا بايران او تركيا ، فان العراقيين من عتاة الطائفيين والشوفينيين من بقايا النظام البعثي بين حين وآخر يشهرون تهمة"الانفصال"بوجوههم ويثيرون ازمة كبيرة بين العراق واقليم كردستان ، وقد رفضوا مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني لوزارة العدل في حكومة "مصطفى الكاظمي"لانه انفصالي صوّت للاستفتاء على الاستقلال الذي جرى في 25 سبتمبر عام 2017 على حد قولهم ، رغم ان الشعب الكردي برمته 93% صوت لصالحه!

ربما لم يكن التوقيت الذي تم فيه اعلان الاستفتاء مناسبا للجانب العراقي والاقليمي والدولي وان "مسعود بارزاني" استعجل في اختيار التوقيت الصحيح كما استعجل "السادات" في مبادرته السلمية مع اسرائيل ولكن بالنسبة للشعب الكردي لم يكن التوقيت مستعجلا ابدا ، بل متأخرا جدا وكان المفروض ان يتم ذلك منذ وقت طويل، عام 1991مثلا عندما سحبت بغداد لمؤسساتها الادارية من الاقليم أوعند غزو القوات الامريكية للعراق وسقوط نظام صدام حسين عام 2003 ، في هذه الفترة كانت الفرصة مواتية لاعلان الانفصال وتحويل كردستان الى دولة مستقلة ، ولكن قصر نظر القادة الكرد وانانيتهم وعجزهم عن قراءة المستقبل وجريهم وراء الغنائم والمناصب جعلهم اعجز من ان يستغلوا هذه الفرص التي لاتعوض لصالح شعبهم ويحققوا له الحرية والاستقلال وينهوا معاناتهم التاريخية الطويلة.

ولكن من اين نأتي بزعيم تاريخي وقائد جريء وشجاع مثل انور السادات ليتخطى زمنه ويستشرف المستقبل ويحقق لشعبه مالم يحققه الرؤساء السابقون!

فهم لم يكتفوا بتسليم الاقليم مع شعبه "مقشرة" الى بغداد وتثبيت حكم الاحزاب الشيعية في الحكم مقابل لاشيء تقريبا ، بل هم الان بصدد تقسيم الاقليم بحجة اللامركزية "الادارية!وهوخطوة باتجاه تفكيك مفاصل كردستان وفصل مدنها عن بعضها البعض!

بين حين وآخر كانت حكومة"نوري المالكي" تطرح مشروع لتشكيل محافظات لامركزية لجس نبض الكرد ولكن السلطات في اقليم كردستان كانت ترفضه بشدة وتعتبره استهدافا عدوانيا للقضية الكردية ، ولكن لماذا تقبل الان ما رفضته بالامس وتعده حلا ناجعا وضروريا لادارة الاقليم؟! ، ربما توصل الحزبين الكرديين المهيمنين على السلطة منذ 29 عاما الى قناعة ان خلافاتهما الطويلة الدامية التي استنزفت قدرات الاقليم واثرت بشكل خطيرعلى الامن القومي الكردي لايمكن ان تحل الا اذا استقل كل حزب بمنطقة نفوذه وفق مصالحه الخاصة! وقد جربا كل انواع الطرق العسكرية والسلمية وعبرالاتفاقات الاستراتيجية وغير الاستراتيجية وفشلا ولم يبق غيرانهاء العلاقة وفض الشراكة الهشة التي لم تجلب لشعب الاقليم غير الوخامة والتعاسة وسوء العاقبة!