بعد يومين فقط سيجتمع رئيس وزراء العراق، وهو ممثل الشعب العراقي العربي الكردي التركماني الشيعي السني المسلم المسيحي بحاكم الدنيا الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وهو بكامل قيافته، وبحذائه اللامع الجديد، وبدون أن يشبك ذارعيه على صدره وينحني ويسأل ترمب، (شلونك سيدنا).
فقط سيتم فحصه من كورونا قبل لقائه بالرئيس، وذلك خوفا من احتمال تسلل كورونا إليه من أحد مستقبليه الأمريكيين، وليس خوفا منه. فصحة الكاظمي مهمة جدا لأمريكا التي ليس لها غيره، في الوقت الراهن، لتتعكز عليه لمناكفة إيران خامنئي، خاصة بعد أن اصطادت صواريخُها قاسم سليماني، وأرحت العراقيين والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين واليمنيين من شره المستطير.

ولولا أن المجالس بالأمانات، ومن المعيب نشر اسم المصدر العراقي الجالس في أعلى عليين في المنطقة الخضراء لشرحنا معلوماته الدقيقة عن مهمة الكاظمي في واشنطن، وعن حقيقة الرد الذي يحمله للأمريكان عن مسألتين،
الأولى موقف العراق الحالي والمتوقع بعد الانتخابات المبكرة في حزيران/ يونيو القادم، من وجود القوات الأمريكية وحماية القواعد العسكرية في الأنبار، تحديدا.

والثانية، مدى قدرة حكومة ما بعد الانتخابات العراقية القادمة على عدم مسايرة النظام الإيراني الذي طلب منه مؤخرا، عبر وكلائه الحشديين، مقاطعة دولة الإمارات العربية المتحدة والدول العربية الأخرى التي ستلتحق بركب المطبعين مع إسرائيل، أو على الأقل عدم المشاركة القوية الإعلامية والسياسية في التهويش الإيراني القطري التركي الإخواني على مسيرة (السلام) الأمريكي المطلوب إثباته بين العرب وإسرائيل.

وبين هاتين المسألتين لا أهمية لباقي مطالب أمريكا من مصطفى الكاظمي ومرافقيه، وهي ضرورة إبعاد العراق، قدر الإمكان عن محور طهران، وعدم قتل المتظاهرين، ومحاسبة الفاسدين، والحفاظ على العلاقة القائمة حاليا مع دول الجوار العربية، والدعم الأمريكي الاقتصادي والعسكري للعراق، حسب الظروف المستجدة، وووفق متطلبات حرب ملاحقة بقايا داعش في العراق.
وأقل ما يقال عن وضع الكاظمي، في زيارته لواشنطن، وهو بين مطرقة الضغوط الإيرانية المليشياوية عليه وبين سندان الحاجة العراقية الوطنية الملحة لدعم الولايات المتحدة له في مأزقه الحالي وحاجته إلى جهدها لتسهيل إقراضه من البنك الدولي ومن دول أخرى سابحة في الماء الأمريكي، إنه محشور في الزاوية، ويستحق أن يُبكى عليه من العراقيين، وخاصة من المتظاهرين الطالبين منه ما لا يستطع.
فمع انكشاح غمة رئيس وزراء الحشد الشعبي الموالي عادل عبد المهدي، بعد كل ما فعله بالمتظاهرين، وبعد كل القرارات والعقود والاتفاقات التي جعل بها العراق، بأرضه ومائه وسمائه، وبشعبه وتاريحه العريق، تابعا مطيعا وذليلا لدولة الولي الفقيه، وبعد أن أرغمت صدورُ المتظاهرين العارية الشجاعة على طرده شر طردة، قررت السيدتان الحاكمتان في العراق والمنطقة، إيران وأمريكا، إجلاسه محله، وهو القادم من جهاز المخابرات، والمتهم بموالاة أمريكا، صدقا أو دعاية مقصودة، ليدغدغ مشاعر العراقيين، ويطيب خواطرهم، ويمنيهم بالكرامة والنزاهة والعدالة، ويوحي لهم بأنه الأسد الهصور القادر على أن يقول لكل غازٍ ومعتدٍ أجنبي لئيم (لا لا لا، وكفاكم إذلالاً لشعبنا، وعبثا بأمننا، وانتهاكا لسيادة بلادنا العزيزة).

عمليا يتمنى الوطنيون العراقيون أن يفاجئهم (الرئيس) الكاظمي فيثبت لهم أنه رئيس بحق وحقيق، وأنه خارجٌ من عباءة المليشيات والمرجعيات وسفارة الولي الفقيه، فيقرر، بشجاعة واستقلال، أن يحاور ترمب وإدارته وهو العراقي الوطني الحر الذي لا يخاف من أحد ولا يستحي من أحد، فيدخل التاريخ إلى جانب عبدالمحسن السعدون وفيصل الأول وجعفر أبي التمن ومحمد رضا الشبيبي ومحمد الصدر وفاضل الجمالي وعبدالكريم قاسم وعبد الرحمن البزاز وطاهر يحيى وعبدالرحمن عارف، وغيرِهم الكثيرين، فيصبح حبيب الشعب وزعيمه الأوحد.
ولكن هل يدعه تجارُ السياسة من الشيعة والسنة والأكراد يفعل ذلك؟.
نعم، سيحاول جهده، وقد يكون راغبا، فعلاً، في إخراج الوطن من عنق الزجاجة، ولكن الواقع المتشابك المعقد لن يعاونه على التحرر من هيمنة المعسكر السياسي الشيعي المسلح، ولا على التخلص من حبال الجارة إيران التي تلتف حول عنقه، ولا على مسايرة الرغبة الأميركية في التمسك بالبقاء في العراق رغم كل صواريخ الكاتيوشا المليشياوية التي تتساقط على معسكراتها. بعبارة أخرى، إن القيام بكل هذه الوظائف وإنجاز كل هذه المهام لا يحتاج إلى مصطفى الكاظمي، الرجل السهل، اللين، المجامل، البسيط، بل إلى وزراء من وزن هولاكو أو جنكيز خان أو هتلر أو صدام حسين.

قد تكون هذه نظرة متشائمة إلى حد كبير، ولكن المقدمات لا تعطي إلا النتائج التي لا تسمح بغيرها. وأرجو أن أكون مخطئا.