بعد الانفجار الذي هز قلوب العالم في مرفأ بيروت وجدنا في اليوم التالي الرئيس الفرنسي في شوارع لبنان وسط الجمهور بينما عجز أي مسؤل لبناني رسمي علي الوصول للجماهير في الشارع. صافح الناس أحتضنهم بث فيهم الطمائنينة أنه وبلاده سيكونون في جانبهم حتي يعبروا محنتهم.

ولفرنسا علاقة مميزة وطويلة مع لبنان منذ 1920 بعد أن طلبت عصبة الأمم المتحدة أن تدار لبنان من قبل فرنسا.
نجح بشارة الخوري ورياض الصلح في الحصول علي استقلال لبنان سنة 1943 وأكتمل الاستقلال برحيل القوات الفرنسية عن لبنان في سنة 1946
ولكن ظلت فرنسا تحافظ علي علاقات مميزة مع اللبنانيين ففتحت أبوابها لتعليمهم في الجامعات الفرنسية، وتأثر اللبنانيون بالثقافة الفرنسية ويتكلم معظمهم الفرنسية كما أن المدارس الفرنسية منتشرة في لبنان ، ومنذ رحيل فرنسا عن لبنان لكنها لم تتأخر يوما عن مساعدة لبنان في كل أزماته
فاجأ اللبنانيون العالم بعد تفجير مرفأ بيروت بعريضة علي الإنترنت تطالب بعودة الانتداب الفرنسي للبنان
وهو الأمر الذي يعكس مدي إنعدام الثقة بين الشارع وبين السياسيين
العريضة وقع عليها ألاف اللبنانين، بل أن بعض من تكلمت معهم من أبناء الجالية اللبنانية في كندا يعتبر أن فترة الإنتداب الفرنسي كانت هي الأفضل لبلادهم وكانت تنعم بالاستقرار كما كانت بلادهم مركز للعلم والمعرفة وكانت بوابة الشرق لدخول المدنية والحضارة الغربية لكل المنطقة.

ذكرني موقف اللبنانيين بموقف مماثل في أفريقيا حيث يوجد جزر القمر في المحيط الهندي علي الساحل الشرقي لأفريقيا بالقرب من موزمبيق ومدغشقر، تبلغ مساحتها تقريبا خمس مساحة لبنان، وتتكون من أربع جزر يسكنها شعب ذو اصول عرقية مختلفة من مستوطين أتوا من ماليزيا وأندونسيا والهند ، يبلغ تعدادهم حوالي المليون نسمة.

اختلطت الأجناس علي الجزر الأربعة وكونوا شعب جزر القمر.

كانت جزر القمر تحت الحكم الفرنسي ثم في منتصف السبعينات تم التصويت حول رغبة السكان في البقاء تحت الحكم الفرنسي او الاستقلال عن فرنسا صوتت ثلاثة جزر علي الاستقلال بينما واحدة صوتت علي البقاء تحت الحكم الفرنسي.

أعيد الاستفتاء مرة أخري واصرت الثلاث جزر علي الاستقلال بنسبة بلغت 99.4%. بينما صوتت جزيرة المايوت علي البقاء تحت الحكم الفرنسي، وبالرغم من نتائج التصويت إلا أن خلافا مازال قائم بين حكومة جزر القمر وفرنسا فتصر الأولي عن أن دولتها تتكون من أربع جزر وعلمها يحتوي علي أربع نجمات.

لكن في النهاية يوجد لدينا ثلاثة جزر حرة مستقلة بينما هناك جزيرة محتلة ، وبعد تجربة تعدت ال 44 عاما ماذا حدث لسكان الجزر وما الفرق بين الجزر المحررة والجزيرة المحتلة؟؟

الجزر تعيش تحت نفس الظروف سواء الطقس أو الموارد الطبيعية، وتركيبة السكان وثقافتهم ولغتهم كل شئ متتطابق.

الفرق الوحيد هو أن الجزيرة المحتلة تدار بواسطة سلطة تطبق النظام العصري لإدارة الدولة أما الجزر الأخري فتدار بسلطة تطبق الفكر الأفريقي والشرقي والبهلواني في إدارة الدولة.

سكان المدن الثلاثة يركبون مراكب الموت كل يوم في محاولة منهم للهروب من الجزر المحررة للجزيرة المحتلة، الجزيرة المحتلة لا يرد أحد من سكانها الخروج منها ، بالرغم أنهم أخوة وأشقاء، البوليس يطارد سكان المدن المحررة كل يوم ويقبض عليهم ويعيدهم للجزر المحررة، ولأنهم أخوة فلا يتم القبض عليهم في منازل سكنهم ولكن يتم القبض عليهم خارج السكن ولكن ممنوعين من العمل.
سكان الجزر المحررة يشتكون من معاملة سكان الجزيرة المحتلة ويقولون أنها تخالف قوانين الأمم المتحدة الخاصة باللاجئين.
كثير من سكان الجزر المحررة يلقون حتفهم في البحر ويموتون أثناء محاولة دخول المحتلة في مراكب صغيرة
سكان الجزيرة المحتلة يقولون لقد صوت سكان الجزر المحررة علي الاستقلال ونحن نحترم قرارهم ونحن صوتنا علي البقاء تحت الحكم الفرنسي وعليهم أن يخترموا قرارنا لنعيش حياتنا بالطريقة التي إخترناها بعد 44 سنة من حرية الجزر الثلاثة أصبح حلم شباب الجزر المحررة العبور إلي الجزيرة المحتلة؟!!

الخلاصة من هذة التجربة أن الدول الغنية والفقيرة تكون بسبب عامل واحد وحيد وهو الإدارة ونظام الحكم
قد يكون للمناخ دور وقد يكون للجغرافيا تأثير وقد يكون للثروات المعدنية سبب من الأسباب وقد وقد وقد….. ولكن يبقي إدارة الدولة ونظام حكمها هو الأساس ، لذلك أنا لا ألوم اللبنانيين المطالبين بعودة الانتداب الفرنسي إلي لبنان بعد ان كافح وناضل أبائهم وأجدادهم من أجل الاستقلال والحرية, لقد فقدوا الثقة في قياداتهم وأصبح حلمهم كحلم باقي شباب الدول العربية تأشيرة يعبرون بها للغرب.

ان المطالبة بعودة الإنتداب الفرنسي علي لبنان يجب أن لا ننظر لها علي أنها عار علي شباب لبنان، بل هي ناقوس خطر يدق لكل حكام الشرق توقفوا عن الفساد وتوقفوا عن الطرق العتيقة في إدارة الدول, أنهضوا ببلادكم وتمتعوا بالأمانة قبل أن تطلب شعوبكم من المستعمرين العودة لبلادكم مرة أخري كما فعلها اللبنانيون.