الغوغاء في اللغة تعني: الصوت العالي والجلبة وكثرة الصياح، لذلك يتم تشبيه الغوغائيين بالجراد لأنهم مجموعة فوضوية عددها كبير وصوتها العالي اكبر. وبالمقارنة بين سلوك الغوغائيين وسلوك الجراد، نجد أن القاسم المشترك بينهم هو الفوضى والعشوائية والاستعجال والرجعية وافتقاد التنظيم. والغوغائية وصف يطلق على شريحة من الناس في المجتمع، تحاول تقديم أراءها بطريقة عشوائية، بعيدة كل البعد عما هو حقيقي، ولديهم رؤية غريبة للمواقف والأحداث مختلفة تماما عن الواقع، ويقومون بالدفاع عنها بشكل فوضوي غير منظّم، يخلو من المنطق والعقلانية. (ويكيبيديا – الموسوعة الحرة).
تعاني المجتمعات المتخلفة عموما من الانفعالات العاطفية التي تؤثر في طريقة التفكير، وتقود إلى ردات فعل فوضوية، ومع الزمن تصبح الغوغائية صفة تلازم المجتمعات المتخلفة، حيث يمكن رؤيتها في الشارع والمؤسسات والخدمات، ومراكز القرار والتعليم والعلاقات العامة، بل وتنسحب على طريقة التعبير عن الذات لكل جماعة في مكان تواجدها، ليصبح ذلك طابعا عاما اعتياديا في تلك المجتمعات، ويحل مكان القانون والتنظيم، ويفرض من خلالها أصحاب الأصوات العالية وجودهم، وإن تمت مخالفتهم ينحون نحو المغالاة في الاستمرار بالردح لفرض آرائهم بأي طريقة ممكنة.

يدافع الغوغائيون عن أفكارهم، وهم مقتنعون بأنهم يمتلكون الحقيقة، ويتحركون خارج سياق القوانين كي يفرضوا آراءهم ومعتقداتهم بطريقة استبدادية. وعلى المستوى الفردي، يظن الغوغائي أنه قادر على إبداء الرأي في كل شيء، ويصر بأن معرفته شاملة، ويستطيع فهم وتحليل الأحداث وتوضيحها بناء على معرفته التي غالبا ما تكون سطحية وغير موضوعية، ويجزم بصحة رأيه وقراره بشكل قطعي ونهائي وحاسم، ولا يفسح المجال لأي نقاش أو حوار.

يؤكد المتخصصون في علم النفس والاجتماع أنه إذا كان الفرد بمفرده فإنه يتمتع بقدر من الاستقلالية والمرونة في التفكير، أما إذا اختلط بالغوغاء فإنه ينزل بعدة درجات عن الحضارة الراقية. إن الفرد السوي بطبيعته يتمتع بالحس الحضاري والثقافي، أما الغوغائي فهو يميل إلى البربرية، أي إلى الصفات السلوكية الغريزية التي لا تنطوي على أي تفكير أو رصانة أو عقلانية. الغوغاء – بشكل عام - يميلون إلى التصرف التلقائي وممارسة العنف وارتكاب أمور شنيعة واعتبار ذلك حماسة وبطولة. لذا إن الفرد إذا أصبح جزءا من الغوغاء أو القطيع فإنه يصبح سريع التأثر بالكلمات والخطب السياسية والدينية والصور. أما إذا عاد هذا الفرد إلى فرديته فإنه لن يعود لهذه الكلمات أو الخطب السياسية والدينية أو الصور أي تأثير عليه.

ويؤكد عالم الاجتماع والنفس الفرنسي "جوستاف لوبون" في كتابه "سيكولوجية الجماهير": أن قناعات الغوغاء تتشح في كثير من الأحيان بوشاح ديني، حيث إن الأفراد يفقدون فرديتهم عندما ينصهرون في الجماعة أو القطيع أو الغوغاء، وهم يكنون احتراما مبالغا فيه يصل إلى حد تقديس شخصيات دينية بدعوى أنها أكثر علما، كما أنهم يهابون هذه الشخصيات الدينية بدعوى ما لها من قوة، فيأتمرون بأوامرها بشكل أعمى، ولا يقبلون مجرد الطعن في الآراء والأفكار الدوغمائية التي يعبر عنها هؤلاء الزعماء الدينيون، كما أنهم يتطوعون لنشر أفكارهم والدفاع عنها.

كما يرى "لوبون" أيضا: أن الغوغاء أقل استعدادا للتفكير وأكثر اندفاعا للفعل الذي يفضي في أغلب الأحيان إلى عواقب وخيمة، وخاصة العنف والتخريب بشتى مظاهره. الغوغاء أو القطيع أكثر من مجرد مجموعة من الأفراد، وهم بالأحرى أشبه بالكتلة السيكولوجية التي تتحرك بدون فكر عميق أو وعي فاعل. ويضيف "لوبون": أن الفرد إذا ما انضم إلى القطيع أو الغوغاء فإنه قد يأتي بتصرفات تتناقض مع قناعاته وأفكاره وتضر بمصالحه، وتتباين مع ما عرف عنه من أفكار وتقاليد. إن الفرد وسط القطيع أو الغوغاء أشبه ما يكون بحبة الرمل وسط كومة من الرمل بحيث يميل مع بقية حبات الرمل حسب اتجاه الرياح.

يقول المفكر وعالم الاجتماع العراقي الدكتور "علي الوردي" في كتابه "الأحلام بين العلم والعقيدة": سأصارح القارئ بقول قد لا يرتضيه مني، وهو اني كنت في العهد البائد اخشى من غضب الحكام، وقد أصبحت في العهد الجديد اخشى من غضب الغوغاء، وارجو من القارئ ألا يسيئ فهم قولي هذا، فالغوغاء ظاهرة اجتماعية موجودة في كل مجتمع، وكلما اشتد الجهل في بلد ازداد خطر الغوغاء فيه.
عرَّفهم "الإمام علي" (عليه السلام) في نهج البلاغة، فقال: هم الذين إذا اجتمعوا أضرُّوا، ‏وإذا تفرقوا نفعوا.‏ فقيل له: قد عرفنا مضرَّة اجتماعهم، فما منفعة افتراقهم؟ ‏فقال: يرجع أصحاب المهن إلى مهنهم، فينتفع الناس ‏بهم، كرجوع البناء إلى بنائه، والنساج إلى منسجه، والخباز إلى مخبزه.‏

وعرَّفهم "عبد الرحمن الكواكبي" في كتابه طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد، فقال: أفراد من ضعاف القلوب، الذين هم كبقر الجنة لا ينطحون ولا يرمحون، يتخذهم المستبد كنموذج البائع الغشاش على أنه لا يستعملهم في شيء من مهامه فيكونون لديه كمصحف في خمارة، أو سبحة في يد زنديق، ولهذا يقال دولة الاستبداد دولة بُله وأوغاد.

لقد ساهمت - في وقتنا الحاضر - شبكات التواصل الاجتماعي في تعزيز دورهم المشبوه، ناهيك عن بعض القنوات الفضائية التي لا تقل غوغائية عنهم فيما تطرحه من شعارات وما تبثه من سموم. والمعروف ان حشود القطيع دائما ما يراودهم إحساس بالقوة لأن وجودهم ضمن القطيع يمنحهم الطمأنينة ويخلي مسؤوليتهم تجاه أي مخالفات او انتهاكات او خرق للقانون والنظام العام، على اعتبار ان المخالفات لا يتحملها عنصر من القطيع بل القطيع بأكمله.