قرار تصفية العالم النووي الايراني، مُحسن فخري زادة في هذا التوقيت يحمل اكثر من رسالة، ليس فقط لما يمثله زاده ضمن البرنامج النووي العسكري الإيراني سياسيا / استنزاف مواردها البشرية / تعطيل البرنامج / الاستنزاف المعنوي. وبحسب موقع انتيلِ تايم InteliTimes واسع الاطلاع، فأن زاده كان مدير وحدة تطوير برنامج الصاعق النووي Nuclear Trigger، وهو الجزء الاعقد تقنياً ضمن اي برنامج نووي عسكري، ولاحقاً تصميم الرأس النووي واختباره. وقد كان لهذا الموقع السبق في تحديد والكشف عن شخصية زاده في عام ٢٠١٣ (بحسب الموقع).
تحديد مثل هذا الهدف، يعد تحد كبير للجهة المنفذة، الا ان حالة الانهيار الاجتماعي والسياسي داخل جمهورية إيران الاسلامية، قد سهل تحقق الاختراقات النوعية المتلاحقة لمنظومة الأمن الإيرانية الخاصة بالبرنامج النووي الإيراني العسكري. ويمثل التقرير الذي نشرته مجلة الفورن بولسي Foreign Policy تحت عنوان (الرايات الزائفة Falls Flags ) في ١٣ من يناير ٢٠١٣، احد اهم الملفات الكاشفة لعمق الاختراق الاستخباري الاسرائيلي للمنظومة الأمنية الايرانية. الجدير بالذكر، عند تناول ذلك التقرير تحديدا، هو ما وفرته ادارة الرئيس اوباما لفريق عمل المجلة من مسؤولين عاملين ومتقاعدين ذو صلة بالملف النووي الإيراني من مختلف المؤسسات الاستخبارية والأمنية الامريكية. وقد كان مرد ذلك، ان الفريق التابع لجهاز الموساد الإسرائيلي، كان يدير عملياته في إيران "منتحلا" هوية المخابرات المركزية الامريكية CIA، من التجنيد داخل وخارج إيران، ذلك بالإضافية لتدريب فرق الكيدون (الاغتيالات) داخل إيران. وقد كان القرار الامريكي يهدف لتحصين عملية التفاوض القائمة مع إيران حول برنامجها النووي، ذلك بالإضافة ان العلاقة الشخصية بين الرئيس اوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، كانت الاكثر برودة وجفاء عبر تاريخ العلاقات الإسرائيلية الامريكية.
الا ان مستوى التنسيق والمشاركة في الرصد والتتبع الاستخباري لأهداف إيرانية داخل وخارج إيران بين الولايات المتحدة وإسرائيل، متعدد المجالات. وقد مثل تطوير فايروس (ستكسنت) والذي سبب في تعطيل كافة منظومات الطرد المركزي الإيرانية، التابع لبرنامجها النووي في ٢٠١٠. ويبدوا ان إسرائيل لم تمانع في رد الجميل لإدارة الرئيس ترمب على دعمها اللامتناهي في عقد المواثيق الإبراهيمية مع كل من الامارات، والبحرين، والسودان، لذلك اصدرت لفريقها الميداني في إيران بتصفية عبدالله احمد عبدالله/ القيادي الاعلى في تنظيم القاعدة في اغسطس الماضي. ومما رشح من مؤشرات، فأن جهاز الموساد الإسرائيلي، هو من حقق الاختراق البشري / الالكتروني لمنظومة تأمين قائد فيلق القدس قاسم سليماني، مما قاد لاتخاذ الولايات المتحدة قرارها بتصفيته بواسطة طائرة مسيرة في ٣ من يناير ٢٠٢٠.
إسرائيل لن تقبل بأن يحوز اي نظام سياسي معادي لها حق امتلاك قدرة ردع نووي، وكلنا يتذكر تدميرها لمفاعل اوزارك العراقي في ٧ من يونيو ١٩٨١، واتهامها من قبل العراق بتصفية العالم النووي المصري يحيى المشد، والذي كان يدير المشروع النووي العراقي حينها. وكذلك اتهامها بتصفية المهندس الكندي / جيرالد بول، صاحب مشروع المدفع العراقي العملاق (بابل). وإيران، تمثل الان عدواً يرفض الاحتكام للعقل بعد تمدده غرباً من خلال جغرافيا سياسية منهارة، كان لإسرائيل الفضل في بعض ذلك، واهمها غزو العراق. لذلك، فأن عرقلة البرنامج الإيراني، واستهدافه بكل الاشكال (بشريا / سيبرانياً / سياسيا) لن يتوقف، لأن قبولها بغير ذلك يتعارض واهم مبادئ امنها القومي، وهو انفرادها بقدرة الردع النووي. ذلك اولا، اما ثانيا، فأن هنالك بُعدٍ سياسياً مضاف، ويتمثل في تضيق مسار المقاربات المستقبلية المحتملة بين واشنطن وطهران، او فرض مرور جميعها عبر بوابة تل أبيب.
التعليقات