الزمن الفاصل بين قرار سحب السفراء من قطر عام ٢٠١٤، وما سبقه من قرارات إيقاف بعض الإقلام الناقدة لقطر عن الكتابة لم يكن بالبعيد، الا ان ما نال تلك الاقلام يعد تعسفاً في حق الصحافة الوطنية والمصلحة العامة.
واليوم نوعد بانفراجه في الازمة القطرية، وكلنا يتطلع الى ذلك. الا انني اكاد على يقين ان التعليمات قد صدرت لرؤساء التحرير في الدول المقاطعة بعدم التطرق بما يعتبر "سوء" لقطر لحساسية المرحلة التي تمر بها المفاوضات، او لتأكيد حسن نوايا الرباعية تجاه الوسطاء.
لنستعرض المشهد التالي من عام ٢٠١٤ لتأكيد حيوية الإعلام الوطني في ممارسة مسؤولياته ادبياً واخلاقيا. قرار سحب السفراء من قطر اتخذ مطلع شهر مارس من ذلك العام، مما اضطر الرئيس اوباما التدخل شخصيا لإنقاذ حليفته قطر، الا انه لم يوفق في ذلك. حينها، كانت الصحافة الامريكية تستقي من تقرير لشعبة الاستخبارات المالية في إدارة الخرينة الامريكية (المالية)، يؤكد على ان اكبر دولتين ضالعة في تمويل ودعم التنظيمات الارهابية في منطقة الشرق الاوسط بالإضافة لمناطق اخري مشتعلة جراء الأزمات السياسية هما إيران وقطر.
واثناء مشاركة امير قطر الجديد، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة، في شهر سبتمبر من ذلك العام، كانت الصحافة الامريكية والاوروبية غير رحيمة به بعد اطلاعها على تقرير إدارة الخزينة الامريكية. ولا زالت كليشيهات ردوده المعدة مسبقا تحضرني " من تصفونه انتم ارهابيا، نحن نراه مقاتل من اجل حريته". استمر ذلك الحال مع امير قطر لسنتين متتاليتين، خلال مشاركته في اعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتيها ٢٠١٤ و ٢٠١٥.
شهد نوفمبر ٢٠١٤ على مصالحة خليجية بوساطة كويتية، وعاد السفراء، الا ان الاقلام المُحيدة والتي حذرت من السياسات القطرية العبثية لم يستكتب بعضها، ومن خسر موقعه القيادي في الصحافة الوطنية الخليجية نتيجة احساسه بمسؤوليته المهنية والموضوعية، استمر في الغياب عن المشهد. والقصد، عندما كان العالم متضامن معنا في المطالبة بمحاسبة قطر، نحن من وفر لها الغطاء السياسي عبر المصالحة معها، والوساطة الفضفاضة، ميعت من قيمة الموقف السياسي للرباعية امام الراي العام العالمي، والتحييد غير الموضوعي للإعلام افقده المصداقية الدولية والوطنية.
وها نحن الان على اعتاب مصالحةٍ جديدة، هي في الاساس امتداد لأزمة ٢٠١٤، وفي حال تقرر تغيب ممارسة الصحافة لدورها الرقابي الطبيعي في القراءة والتعبير، فهل نحن نفرط في حق من حقوق آليات الرقابة للسلوك القطري المستقبلي.
ان كان يجب ان يكون هناك ضامن او اكثر لاتفاق المصالحة، اليس من حق الرأي العام الخليجي ان تكون له ادوات قياسه الخاصة (صحافته الوطنية) لقياس مستوى التزام قطر من عدمه ببنود وشروط المصالحة، ام اننا استمرأنا قراءة الحقائق عن ملفاتنا الخاصة عبر وسائل الإعلام الدولية.
منذ ٢٠١١ ونحن نمر بتجارب قياسية مثلت اقسى حدود التحدي لنا ولدولنا، وان اردنا قياس قيمة الشفافية في ادارة الازمات، لتكن جائحة كوفيد-١٩ مقياس ذلك. فالشفافية المعيارية والتي اعتمدت من قبل دولنا والمؤسسات ذات الاختصاص، حولت المواطن من متابع الى شريك في احتواء وادارة الأزمة. وذلك تماما ما نحتاجه في تعاطينا مع والرأي العام فيما يتصل بالمصالحة ومدى التزام اطرافها بما تعهدت به تجاه شعوب الدول المقاطعة، لأنه عبر تاريخ هذه الأزمة تحول لشريكٍ اصيل استحق ان يكون حاضرا ومحاسباً عبر صحافته الوطنية على الاداء القطري مستقبلاً.
ملاحظة اخيرة : اليوم، تحول الاعلام الامريكي حليفاً ومنافحاً عن قطر، وذلك سؤال اخر او ربما دولار آخر.
التعليقات