هذا عنوان أستعيره من جاك دريدا، الذي أورده سؤالا وعنوانًا فرعيًّا في كتابه (عن الحقّ في الفلسفة)... وما دفعني للقراءة في ذلك الاتّجاه والبحث والتنقيب يتمثّل في تلكـُّــؤ مجتمعنا السعوديّ في قبول الفلسفة، وإدراجها في المناهج العامّة؛ فهل كانت تلك الممانعات مشروعة؟

وكيف جاءت وتشكَّلت تلك الممانعات؟
هناك التباس وتهويمات سرّبها جهازٌ بات مهدَّدًا بالتفكك والتفكيك، ونقلها من مفردات وشخوص تراثية سلفية كانت تذم الفلسفة، وتتوجّس منها... وأدنى حدود الفلسفة قادرة على كشف ذلك العوار، ورصد استيراتيجياته المخاتلة في ذلك التسريب، وذلك الحضور، الذي يدفع للنفور من الفلسفة جملةً!
ما يهمّ هو غرس الطابع المنهجي للفلسفة، وفعاليته القائمة على أسس متينة، تاخّر وعيُنا بها، ويبقى الدور الذي تلعبه المؤسسة الرسميّة فاعلا في تدشين ذلك الحضور الفلسفي، ووضعه داخل الجهاز الثقافي.
ردود الأفعال ذات الحساسيّة المفرطة طفت على السطح سريعًا كشأنها في مجابهة كلّ جديد، ومفيد؛ لكنّ إرادة السياسيّ والإدارة العليا كانت كافية لإبطال ذلك الشغب باسم الدين والمصلحة العامّة، والقضاء عليه في مهده؛ فالتفاعل مع الفلسفة وقبولها لم يعد خيارًا؛ بل ضرورة حياتيّة!
قبل أشهر حضرتُ فاعلـيّة ثقافـيّة احتفى فيها محاضرُها بتدشين الفلسفة مقرَّرًا تعليميًّا، وكانت بضاعته مزجاة، ومرتبكة؛ وكأنّما قدّمها للجنة تقرِّر جواز إدخال الفلسفة إلى التعليم، ومثل هذا الحضور لا يجدر به أن يكون حاضرًا في المشهد؛ فضلا عن أن يكون متسيِّدًا له؛ فالفلسفة أكبر من ذلك!

هل يستطيع التعليم الجامعيّ؛ فضلا عن التعليم العامّ تقديم الفلسفة، وإظهار مزاياها؟
الغياب الكبير والطويل عن الحضور الفلسفي في مجتمعنا أوجد صورة سلبيّة عن الفلسفة، والتفلسف، ولن نستطيع الانخراط والانفكاك من ذلك التعثُّر دفعة واحدة... وقد يتوفر لنا أساتذة ومعلِّمون يقدّمون عملا فلسفيًّا ملزِمًا؛ لكنّ تشرُّبَ الفلسفة والاهتمام بها والإخلاص لها يتطلّب عقودًا، ويتطلّب عقلياتٍ تسعى لتحرير العقل الجمعيّ من الحفظ والنقل، وتقديس القديم، وهذا -بدوره- يحتاج عملا وإجراءات، ووضع أهداف ومؤشّرات، وقبل ذلك اختيار عيِّنات متحمِّسة وقادرة على وضع أسس فلسفيّة تدخل في تركيبة المجتمع، وتدخل مفاهيمه، وتصبح جزءًا من أدواته في التفكير والترجيح والتغليب في تناول القضايا والمفاهيم العامّة، وقبول الاختلاف والمختلف..
وأخيرًا، ووفقًا لجاك دريدا في كتابه المذكور في مقدّمة المقالة: يتحتم حماية الفلسفة من اعتداءات غير فلسفية، تصدر من الخارج، وينوّه جاك دريدا على أنّ قوى الخارج تتوفر دومًا على حلفاء، أو ممثِّلين لها في الداخل، والعكس صحيح كذلك..