تلعب دولة الإمارات منذ تأسيسها في الثاني من ديسمبر عام 1971، دوراً حيوياً في تحقيق الأمن والاستقرار الدوليين، انطلاقاً من ثقتها في أن مبادىء الأمم المتحدة هي السبيل الأساسي والضامن الأهم لتوفير أجواء مناسبة للتنمية المستدامة. ولهذا فإن انتخاب الامارات للعضوية غير الدائمة بمجلس الأمن الدولي، يعكس تقدير اعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة لسياسات الامارات ومواقفها حيال القضايا المطروحة على أجندة النقاشات الدولية.

والمؤكد أن وجود دولة الامارات كعضو غير دائم لمدة عامين في مجلس الأمن الدولي ابتداء من يناير المقبل يمثل فرصة ثمينة لحلحلة العديد من الأزمات والقضايا التي تعانيها منطقتنا العربية كون الدبلوماسية الاماراتية تمتلك سمات تؤهلها للعب دور توافقي يسهم في إزاحة العقبة الأهم التي تعرقل فاعلية مجلس الأمن الدولي في المرحلة الراهنة، وهي الانقسامات والخلافات بين القوى الكبرى بشأن العديد من الملفات والصراعات، وفي مقدمتها الازمة السورية ناهيك عن الاوضاع في اليمن وليبيا والقضية الفلسطينية وغيرها من القضايا التي لا يظهر فيها دور فاعل لمجلس الأمن بسبب تباين الآراء والمواقف بين الدول الخمس الكبرى دائمة العضوية، والتي تمتلك الامارات معها جميعاً علاقات ثنائية قوية تستطيع من خلالها إذابة الجليد وتحريك الجمود في المواقف وصولاً إلى بناء رؤية تحظى بقبول الأطراف الدولية جميعها.

وقد جاء سعي الامارات للترشيح لعضوية مجلس الأمن الدولي انطلاقاً من أهداف ورؤية واضحة تسعى إلى امتلاك أدوات وهامش حركة يتيح للدبلوماسية الاماراتية تعزيز دورها في ترسيخ السلام والتعاون والتنمية على الساحة الدولية، فالامارات من الدول التي تتحمل مسؤولياتها في مواجهة التحديات التي تواجه العالم، وتسعى إلى ايجاد الحلول والبدائل للتعامل مع هذه التحديات، فضلاً عن كونها شريك دولي مسؤول في التصدي للكوارث والأزمات من خلال دورها العالمي الكبير كمانح للمساعدات الانسانية والاغاثية.

والمؤكد أن تصويت الجمعية العامة للأمم المتحدة لمصلحة دولة الامارات يأتي في سياق نجاحات عديدة ومتوالية حققتها الدبلوماسية الاماراتية في السنوات الأخيرة، ابتداء من الفوز بثقة العالم لتكون أبوظبي مقراً للوكالة الدولية للطاقة المتجددة (ايرينا) في عام 2009، مروراً بالعديد من النجاحات الدولية الأخرى، فضلاً عن اسهام الامارات الفاعل في الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة العربية في السنوات التي تلت موجة الفوضى والاضطرابات التي شهدتها بعض الدول العربية في عام 2011، حيث تمكنت الامارات بالتعاون مع المملكة العربية السعودية من لعب دور اطفائي أسهم في تفادي امتداد ألسنة اللهب والصراعات الأهلية إلى المنطقة العربية بأكملها، فضلاً عن دعم خيارات الشعوب العربية في التخلص من حكم التنظيمات المتشددة واستئناف مسيرتها التاريخية الحضارية بعيداً عن الوقوع في فتنة الحروب والصراعات الدينية الأهلية.
وقد قدمت الامارات أيضاً عقب اندلاع ازمة تفشي جائحة "كورونا" في العالم أجمع، نموذجاً للدولة التي تؤمن بوحدة العالم وضرورة تعاون الجميع وتضافر جهودهم في مواجهة التحديات الكبرى، حيث مدت يد العون والمساعدة منذ بدايات الأزمة للعديد من الدول والشعوب لتساعد الجميع في تجاوز المتاعب الاقتصادية التي ترافق الأزمة، وتسهم في الحد من آثارها الصحية والانسانية والاقتصادية. ولهذا كله فقد جاء التصويت الدولي لمصلحة عضوية الامارات بمجلس الأمن الدولي مرآة عاكسة لمستوى التقدير والاحترام الذي تحظى به الامارات في عيون العالم.

والأهم ـ برأيي ـ أن الامارات لم تذهب إلى مجلس الأمن من أجل عضوية شرفية أو تعزيزاً لمكانتها الدولية، وإنما سعت لذلك ترجمة لرؤية استراتيجية واضحة أوضحها سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان وزير الخارجية والتعاون الدولي عند الاعلان رسمياً عن ترشح الامارات للحصول على مقعد غير دائم بمجلس الأمن الدولي للفترة 2022 ـ 2023، حيث قال سموه "إننا ندرك حجم المسؤولية المترتبة على عضويتنا ومقدار التحديات التي تواجه المجلس ونؤكد أن بلادي ستعمل بعزم وإصرار لمعالجة القضايا الهامة للدول مسترشدين في ذلك بفهمنا للأزمات وبخبرتنا في المنطقة العربية وعلاقاتنا الوثيقة مع الدول وستواصل بلادي الدعوة لإشراك المنظمات الإقليمية في بلورة حلول دائمة للأزمات ونعتمد على دعمكم لنتمكن من تحقيق هذه الغايات"، وقد تطرقت سعادة لانا نسيبة سفيرة الدولة لدى الاممم المتحدة إلى تفاصيل هذا الدور حين قالت "إن دولة الامارات، كعضو في المجلس للفترة 2022-2023، ستكون جزءاً من التحالف الذي يعمل على تعزيز طبيعة المجلس القائمة على النتائج، بقدر الإمكان، وأضافت إن التقارير السنوية لمجلس الأمن يجب أن تبرهن عن الفارق الذي حققته في العالم، ليس فقط من خلال تقديم لمحة عامة عن عدد الاجتماعات التي عقدتها أو البيانات الصحفية التي صدرت عنها. "صحيح أن ذلك مليء بالتحديات، ولكن العالم يتوقع من المجلس أن يتوصل إلى نتائج."

ومن خلال متابعتي لمجمل تصريحات وأحاديث مسؤولي الدبلوماسية الاماراتية بقيادة سمو الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، الذي أضاف إلى الجهاز الدبلوماسي الاماراتية فاعلية نوعية كبيرة وعزّز قدرته على تحقيق النجاحات والإنجازات على صعيد العلاقات الدولية، من خلال هذه المتابعة أرى أن هناك رؤية استراتيجية واضحة وهناك أيضاً آليات تنفيذية دقيقة لتحقيق هذه الرؤية، ما يدفعني للقول بأن الامارات ستكون خلال عامي عضويتها بمجلس الأمن الدولي رقما مهماً وإضافة نوعية مؤثرة للعمل في هذه المؤسسة الدولية المسؤولة عن تحقيق الأمن والسلم العالميين.