في النصف الأول من هذه السنة، أثارت الانتخابات البرلمانية الإسرائيلية، وتلك التي كان من المقرر إجراؤها من طرف السلطات الفلسطينية في الضفة الغربية، اهتمام المراقبين لما يمكن، ان يعتبر ظاهرة تقاطب في الرؤى السياسية، أو بالاحرى مفارقة سياسية فلسطينية بامتياز، بين من يرفض التطبيع العربي الخليجي، المعلن عنه سابقا في اتفاقية آبراهام بوساطة من الولايات المتحدة، و من يتبنى تطبيعا داخليا سلسا، في تعايش مع المؤسسات الإسرائيلية، كما هو الحال، مع الفرع الجنوبي لحزب الحركة الإسلامية ( الأكثر اعتدالًا مقارنة بالحركة الإسلامية الشمالية المتشددة المنفصلة عنه، الرافضة للسلام والتطبيع مثلها مثل حركة حماس الإسلامية في غزة ) و الذي أبدى واقعية غير معهودة، للتكيف السياسي البراغماتي، مع المطالب الديمقراطية لتوسيع دائرة انتخابية عربية في قلب إسرائيل، على أساس برنامج من التعاون والتكامل والتطبيع، مخالفا بذلك عقوداً من الخطاب الرافض، لهوية الدولة اليهودية وكيانها ؛ فلقد أعلن مؤخرا رئيسه، النائب الفلسطيني في الكنيست منصور عباس استعداده للانضمام إلى ائتلاف يميني إسرائيلي، الامر الذي قام به فعلا، مقوضا محرمات القضية الفلسطينية، التي طالما لوحت بها قيادة فتح في الضفة الغربية محذرة، عند استمرارها في استنكار أخبار التطبيع العربي الآتية من الخارج، مما ولد لديها شللا تفاوضيا، كلفها مزيدا من العزلة، و خلع عنها جزئيا هالة التمثيلية الشرعية التي تشهرها في المنتديات الدولية لتحصين الزعامة .
والبادي، كأن إنضمام القسم الجنوبي لحزب الحركة الإسلامية بقيادة منصور عباس، لائتلاف الحكومة العبرية الجديدة، يعكس داخليا، روح الاتفاقيات العربية-الإسرائيلية الراهنة، ويبدو أنه قد نقل واقعيا، السياسة العربية الفلسطينية، من سنوات الرفض السياسي والأيديولوجي، والخطاب التحريضي ضد إسرائيل، و انحاز الى مقاربة براغماتية، موجهة نحو القضايا الحيوية، لساكنة قرى و بلديات عرب 48، لمعالجة التحديات العاجلة، والاحتقانات الاجتماعية والاقتصادية الملحة، التي ألفت كثير من الحكومات الإسرائيلية السابقة، عدم ادراجها في برامجها وميزانياتها، لعقود طويلة، مند الانفجار الديموغرافي الطارئ، الذي عرفته الغيتوهات الفليسطينة، المطوقة بقوى الاستيطان، بعد محنة النكبة .

طبعا، جزء من الطبقة الصهيونية اليمينية الحذرة، ارتاب في نواياه وأهدافه، واعتبرها رغبة ملتوية، في الايهام بامكانية تحقيق السلم الداخلي و الاندماج الإسرائيلي- العربي، وأنها في بداية المطاف، ليست الا استراتيجية لاختراق مؤسسات الدولة العبرية، وتلغيمها بأهداف أيديولوجية إسلامية صرفة .


هناك ، الأحزاب العربية المتبقية في مايطلق عليه بالقائمة الموحدة، يضعون النضال السياسي من أجل ضمان الحقوق داخل الدولة العبرية، في تواشج مباشر مع تسوية النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، و إخلاء كليا الاراضي المحتلة من المستوطنين.
و يرفضون وصمها بدولة يهودية وديمقراطية، ويدعون إلى هوية عربية فلسطينية كاملة، في دولة مساوية لكل المواطنين. طبعا، وكما نعلم جيدا، هذه المبادئ كقاسم مشترك لمطالب هوياتية وحقوقية مشروعة، غير قابلة للتبني والتطبيق في السياسة الإسرائيلية حاليا، خاصة وان هيمنة اليمين الاسرائلي المتشدد تتمدد بشكل يهدد السلم في المنطقة


إذن الملاحظ، ان نوع جديد ، من هؤلاء السياسيين الفلسطينيين المشاركين في الانتخابات الاسرائلية، يمثلون علامات بداية التغيير الحثيث، من أيديولوجية المقاومة الهوياتية، إلى تفعيل البراغماتية، وإقامة تكامل سياسي في الشراكة، مع تحيين محركات المصالح . ولم يعد يلعب، لا هاجس مصير المجتمع الفلسطيني ووزنه داخل الكيان العبري، و لا الهوية اليهودية الصهيونية لدولة إسرائيل، الا دورًا ثانويا في خطابهم العلني، ولم يعودا أساسيين في أجندتهم السياسية. وصار ينصب تركيزهم على تحسين الظروف المعيشية الفورية لساكنة عرب48 ( الإسرائيليين في الاوراق )

على عكس المرشحين الاكثر تشددا في موقفهم ( مثل أولئك الذين يؤكدون بقوة على انتمائهم للطرف الآخر الذي يقاوم في الضفة الغربية وقطاع غزة ويعارضون الدولة الإسرائيلية في كثير من الامور الجوهرية )، فإنهم يقدمون أنفسهم في المقام الأول كمواطنين إسرائيليين ومتوافقين سياسياً. لذلك، يطمعون في قبولهم بأريحية كشركاء من قبل كل الأحزاب اليهودية .
و يأملون، أن الخطاب الجديد و الأجندة الإسرائيلية الداخلية البحتة، ستمنحهم فرصًا أكبر للتأثير السياسي، والتقرب من الحكومة، وأنهم على استعداد لتحمل المسؤولية والمشاركة في دواليب القرار ، مع استبعاد القضايا الخلافية، أيديولوجيًا مثل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني وتأجيليها الى حين .

عموما، بالنسبة إلى هؤلاء السياسيين الجدد، فوائد العمل والتعايش مع المواطنين اليهود، تفوق المساوئ الطارئة من حين لآخر، و لأن جسور الانتخابات ستبوؤهم بمكانة شرعية، و بوصول أفضل إلى الميزانية المالية الإسرائيلية، وبالتالي يمكنهم العمل، بشكل أكثر فاعلية لصالح ناخبيهم الفلسطينيين العرب، وهذا هو السبب، وراء عدم وجود خيار أمامهم في كثير من الأحيان، سوى التعاون مع مؤسسات الدولة العبرية، من أجل أن يكونوا قادرين، على تزويد مجموعتهم السكانية في البلديات العربية، بالموارد المالية، التي بالموازاة، يحصل عليها السكان اليهود بامتيازات أوفر .