تتجسم لساسة دول الخليج العربية صورة اليمن المُرهَق والمُرهِق بأزماته وصراعاته وتناقضات فِتَنِه مع فِتنةِ طبيعته وعراقة تاريخه وروعة آدابه وفنونه وتنوع تضاريسه. عندما يُطل أولئك الساسة على المسرح اليمني ويقتربون من كواليسه يقاربون الخلل والعلل وصفاً وتحليلاً محاولةً للحل حال تحبير ذكرياتهم. من ساسة الخليج المخضرمين أحد أقدم دبلوماسييها الكويتيين، أول أمناء مجلس التعاون الخليجي الأستاذ عبدالله يعقوب بشارة، الذي اصطحب معه قراء مذكراته (بين الملوك والشيوخ والسلاطين) عبر (يوميات الأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية 1981 – 1993م).

عند صدور "يوميات الأمين الأول" سنة 2005م، كتب د. نايف الحجرف (يصادف أنه "الأمين السادس حالياً" منذ يناير 2020م) أنها "كشفت النقاب عن بعض الحقائق التي عايشها عن قرب" وفعلاً كشف السيد بشارة أن من إحدى الهواجس المتعددة لدول الخليج الست أحد "اليمنَيْن" عشية وغداة نشوء مجلس تعاون لدول يجاور "اليمنَان" بعضها.. فلم تكن نيران إيران هاجساً يتيماً.

وأقرب هاجس حرب ظفار، بين مسقط وجبهة تحريرها المدعومة "عدنياً".. وبعدما فهمت سلطات عدن بأن خلافها مع مسقط يعني خلافاً مع بقية دول المجلس، توج المجلس "الوليد" مساعي الكويت والإمارات بتطبيع علاقات عدن ومسقط، لتطلب صنعاء منه تدخلاً مماثلاً، حسب إحدى وثائق سِفر الأمين بشارة.

في أواخر 1981م ومنتصف 1982م، باسم المجلس الخليجي تردد الأمين العام على اليمنَيْن ولقي تودد الرئيسين لكسب "ثقة" الدول الخليجية والمزيد من "ثقل" الإسناد المادي والمعنوي الخليجي بغية مواجهة مختلف التحديات. طرحت صنعاء بلسان الرئيس علي عبدالله صالح احتمالية مواجهة عدن وانقطاع "شعرة معاوية" بين الشطرين، وطالما غاب إسناد الجوار الخليجي للشمال اليمني سيسُقِطه الجنوب فيُسقِط الخليج بعده. وطبقاً ليوميات الأمين بشارة فإن السلطان العماني قابوس بن سعيد نقل شكوى صالح من "إهمال" دول المجلس دعم اليمن الشمالي على الوقوف القوي ضد محاولات اليمن الجنوبي. ثم دُعِم الشمال وتحسنت علاقاته وحاز الثقة الخليجية، وفقاً لتدوين بشارة، حتى تسرب الشك بانضمامه لمجلس التعاون العربي المكون من بغداد – عَمّان – القاهرة – صنعاء، قبيل إعادة توحيد اليمن ثم اجتياح العراق للكويت (صيف 1990م) وما ترتب عليه من نكران لم يطوِهِ النسيان.

بعد عضوية الجنوب اليمني بالجبهة القومية للصمود والتصدي، شكَّل مع إثيوبيا وليبيا حلفاً ثلاثياً أثار مخاوف دول خليجية دفعت الأمين بشارة لزيارة عدن ولقاء الرئيس علي ناصر محمد الذي أفصح عن نيته تحسين العلاقة بالخليج، وقلل من شأن الحلف المبرم بناءً على رغبة ليبيا. يفيد الأمين الخليجي الأول بأن استُعين على الرئيس الليبي معمر القذافي برئيس الإمارات الشيخ زايد بن سلطان.. وتفيد مذكرات علي ناصر (عدن والعالم) أن الاتفاق الثلاثي بقي حبيس أدراج الدول الثلاثة..!

تجدر الإشارة إلى الناجم عن إبرام الاتفاق "حبيس أدراج" أديس أبابا وطرابلس وعدن (أغسطس 1981م) من مراسلات تقترح مطالبة صنعاء لقادة الخليج ضمهم لمجلسهم. يُرجح قرار قيادة صنعاء الاستزادة السياسية والمادية الخليجية لتكون الظهير بمواجهة عدن المدعوم والمستخدم من قبل جهات تضمر شراً لعموم الخليج والسعودية تحديداً.

في "سؤال مباشر" من الإعلامي السعودي خالد مُدخلي على قناة "العربية"، سئل الأستاذ بشارة حول "توقف فكرة ضم اليمن إلى المجلس".. ومن واقع معايشته ظروف ومكونات التأسيس، أجاب بشارة بالنفي، راداً المسألة إلى الواقع الجغرافي المطل على الضفة العربية للخليج. هو مُحِقٌ بنفيه، ولم يبلغه يومذاك "المنشأ اليمني للفكرة" من أواخر الستينيات إلى أواخر السبعينيات قبل وبعد تعيينه مندوباً دائماً للكويت لدى الأمم المتحدة، بعد مواكبته "اليمننة" ستينيات القرن العشرين -يثبت بعض تفاصيلها "بستانه" الجديد أي كتابه الأخير (مشاهدات عبدالله بشارة في الخارجية والأمم المتحدة 1964 – 1981م)- وعرف مِن رموز اليمن مَن وَصفهم بمقالاته "يحملون روحاً مرحة بتفاؤل وإيمان بالصلابة الصخرية لأهل اليمن، وعمق الوعي.. مع دعوات ملهمة حتى الآن".. فمن دعواتهم الملهمة مقترح ضم دول الجزيرة بإطار اتحادي مِن الأستاذ محمد أحمد نعمان ثم والده "الأستاذ الأكبر" أحمد محمد نعمان خلال لقائهم كبار المسئولين السعوديين والكويتيين، حسب يوميات ووثائق ومراسلات "نعمانية" نشرها الأستاذ فؤاد مطر بجريدة "الشرق الأوسط" (يناير 1997م)، عقب تقديم طلب اليمن الانضمام للمجلس (ديسمبر 1996م)، ولم تتهيأ أسباب القبول.

معطيات قبول انضمام اليمن من نواحي "الجغرافيا والأيديولوجيا والطموح" تضمنتها ملاحظات للأستاذ بشارة، المؤمن "بوحدة الأمن والشعب والمصير والامتداد اليمني الخليجي وأن منطق الأخوة والمصلحة المشتركة سيفرض نفسه". حسب تصريحاته السابقة، وإن تناولت كتاباته الأخيرة "اليمننة" بوصفها ضمن ما سماه "الحوسة" التي تعيشها المنطقة، رابطاً بينها وبين الصورة الذهنية الرائجة خليجياً عن "يمن غير مستقر" بسبب مآلات التغيير، وكأن لسان حاله عمن غيروا ولم يدركوا غِيَر الزمان:

ربما أحسنوا البدايات ولكن هل يحسون كيف ساء الختامُ

المهم.. كتب بشارة يُشجع "تدرج عضوية اليمن -تقديراً لظروفه- ببعض مؤسسات المجلس" ثم "تأهيل اليمن" على طريق "تخليجه" مع إقراره "باختلاف اللغة السياسية اليمنية عن اللغة التي تتبناها دول المجلس".. وخَتمَ "يمانياته" في يومياته ".. متى يصبح اليمن عضواً كاملاً في مجلس التعاون فهذا أمر يعتمد كثيراً على اليمن نفسه".

واضح جداً للعيان عدم تأهل اليمنيين لدخول نادي الخليج، وأنهم تأهلوا للسقوط وسط "أخدود" جديد وجحيم حرب لم يتخل بشارة عن التبشير بـ"ضرورة وقفها.." إذ لا تذر لعقلٍ هداه ولا تعطي عربيا ًمُناه.