استكمالًا لقضية سرقة ونهب مقتنيات ومجوهرات أسرة محمد علي، التي تمت خلال 68 عاما وتحدثت عنها خلال مقالتين سابقتين، والتي بدأت عقب قرار مجلس قيادة الثورة بالمصادرة سنة 1953 واستمرت حتى الآن، وكيف أكد المستشار أشرف العشماوي- الذي تقصى أعمال لجان جرد المقتنيات، واطلع عن كثب وتحرى جميع التحقيقات والوثائق التي جرت بشأن سرقة المجوهرات الملكية في حديثه معي- أن هناك اختلاسا فعليا حدث في المجموعات الملكية من قبل لجان الجرد السابقة، حيث طالت يد الإهمال المجوهرات من وقت المصادرة حتى آخر لجنة. واستكمل هنا أنه فى عام 1962 سُلمت الصناديق وعددها 63 صندوقاً إلى وزارة الثقافة، وتم عمل خطة للجرد تشمل الوصف والوزن والعيار وأنواع المعادن، وعدد الأحجار الكريمة ، ولكن مرت السنوات مرور الكرام ولا توجد مستندات وكشوف لأعمال الجرد، ولا مسؤولية على هذه اللجان بعد أن توفى رؤساؤها تباعاً، وفى كل مرة كان رئيس اللجنة يبدأ من الصندوق الأول.. وفى نهاية 1971 بعد أن شعرت اللجنة الأخيرة بالملل من جراء العبث والبيروقراطية اللذين استمرا 9 سنوات وبحلول عام 1973 قامت اللجنة بعد أن انتهت من عملها وأتت على ما في الصناديق بإيداع مفردات الجرد على شكل عهدة كاملة داخل 40 صندوقا من أصل 63، ولم يسأل أحد أين باقى الصناديق وعددها 23 صندوقاً.
ومن خلال اطلاعي على أوراق رجال الجرد في عهد الرئيس جمال عبدالناصر، أكدت الأوراق أن الزعيم الراحل قد شعر بيد الإهمال والسرقة والنهب حتى طالت التهمة عدداً كبيراً من ضباط الثورة سواء كان ظالماً أو مظلوماً، بالإضافة إلى فشل اللجان المتوالية في عمليات الجرد، مما جعله يشكل لجنة استثنائية تتولى عملية الجرد وتقصى الحقيقة حول السرقة والإهمال فيما حدث، وتعتبر هذه اللجنة من وجهة نظري أهم لجان الجرد، وأرى شخصيا أن مفاتيح حل اللغز في قضية سرقة مقتنيات ومجوهرات أسرة محمد على كانت مع هذه اللجنة، المكونة من 5 أشخاص هم «صلاح الشاهد»، كبير أمناء رئاسة الجمهورية وقتئذ، و«عبد المنعم القيسوني» وزير الخزانة في عهد جمال عبد الناصر ورئيس لجنة الجرد لمقتنيات محمد علي، و«اللواء فتحي رزق» وزير الصناعة في عهد جمال عبد الناصر، وأحد أعضاء لجنة الجرد للمقتنيات، و«كازبليان» واسطة الملك فاروق في شراء ما كان يحتاجه من مجوهرات وتحف ثمينة، والجواهرجي «عزيز عبد الملك».
«تاج الملكة فريدة الذي وضعته فوق رأسها في ليلة زفافها والمثمن وقتها بمليون جنيه مصري، ملقى في قش الأرز.. ومجوهرات تترنح يمينا وشمالا في الصناديق الخشبية المتهالكة» هكذا نقل صلاح الشاهد صور الحالة التي وصلت إليها المقتنيات عندما ذهب إلى مقر البنك الأهلي المركزي تلبية لطلب الرئيس جمال عبد الناصر لإحضار إحدى المجوهرات لإهدائها لخطبة الرئيس كوامي نكروما ، رئيس غانا، على السيدة فتحية، وكانت الهدايا التي كشفت فيما بعد الانقلاب على الرئيس الغانى هي عقد من الألماس من مجموعة الملكة نازلى، وبروش من الألماس من مجموعة الملكة فريدة.
دخول صلاح الشاهد مقر مقتنيات محمد علي ووصفه لحالة الإهمال التي وصلت إليها المقتنيات هو ما جعل جمال عبد الناصر يأمر بتشكيل لجنة لجرد المقتنيات ونقلها. ويشير «الشاهد» إلى أنه سأل أحمد أبو العلا مدير البنك المركزي عن كشوف الجرد التي تم إيداع المجوهرات بموجبها في خزينة البنك، فرد الرجل بكل بساطة : «آسف.. ليس عندنا كشوف تسجل تفاصيل أو وصف هذه المجوهرات وقد تسلمناها على أنها مجوهرات مودعة داخل هذه الصناديق دون أن نعرف شيئا على محتوياتها».
أما عن تقرير عبد المنعم القيسوني رئيس لجنة الجرد عن حالة المجوهرات فقد رصد الكارثة الكبرى التي أكد فيها حجم الإهمال والسرقة التي حدثت من قبل العديد من الأشخاص مما أثار قلق «عبد الناصر»، خاصة أنه أشار له في التقرير إلى أن المجوهرات خزنت بدون العلب القطيفة الخاصة بكل واحدة على حدة، وتعمدت لجنة المصادرة رمي هذه العلب حتى تسهل عمليات اختفاء بعض قطع المجوهرات في الجيوب أثناء المصادرة، مما جعل عبدالناصر يأمر بتكليف البنك المركزي بإخراج المجوهرات من أقفاص الجريد والصناديق الخشبية ووضعها فوق أرفف مفروشة بشرائح القطن الطبي حتى يتسني توفير علب قطيفة جديدة لوضعها بداخلها وسرعة إقامة متحف تعرض فيه.
وفي نهاية الأمر، القانون لا يعرف سوى الأوراق والمستندات الرسمية، فإذا لم يكن لدينا ما يثبت ملكيتنا لهذه المقتنيات والمجوهرات فلن يكون لدينا الحق في محاكمة أي شخص في ادعائه ملكية هذه المقتنيات أو محاكمة أي جانٍ في جرائم السرقة لها.. ومن المحزن حتى الآن أنك إذا أردت أن تبحث عن تلك المجوهرات الملكية فسوف تجدها بكل سهولة على الإنترنت معروضة للبيع بمزادات في الخارج، رغم جهود السلطات المصرية في إيقاف تلك المزادات من حين لآخر.