في نظرية التحدي والاستجابة للفيلسوف والمؤرخ الإنجليزي "أرنولد توينبي"، يقول؛ أن تقدم الأمم لن يحدث سوى بقيام تلك الأمم بتصفية حساباتها مع تاريخها، بمعنى أن التضحيات واجبة للتخلص من إرث الهمجية. ولاريب من إن هذه العقدة تطارد البعض من الامم مثلما إنها تطارد وبصورة غير عادية نظام الملالي في إيران، والذي يبدو إنه ليس لايريد تصفية حسابه الاسود مع تأريخه الحافل بمشاهد بربرية وهمجية يندى لها الجبين الانساني، بل ولکي يغطي على تأريخه هذا يقوم بکل شئ من أجل ذلك حتى ولو تجاوز الحدود وتضارب مع الحقيقة والواقع، ويمکن القول بهذا السياق بأن المثل الانکليزي المشهور" لا تحرق بيتك لكي تخيف الفئران"، والواضح معناه ومغزاه، يبيد إن ملالي إيران يتصرفون على النقيض منه تماما.
تصفح تأريخ نظام ولاية الفقيه منذ نشأته والذي يبدو إن الشعب الايراني قد أعلن رأيه الصريح به من خلال 4 إنتفاضات کان أهم الشعارات المرددة فيها:"الموت لأصل نظام ولاية الفقيه" و"الموت للدکتاتور"، يضعنا أمام فصول ومشاهد مروعة، لعل من أکثرها بربرية وهمجية وإستهانة بکل ماهو إنساني وحضاري، المجازر التي إرتکبها في مدينة سنندج في عام 1981، بحق الکورد هناك والتي أثبتت تعطشه للدماء بصورة فريدة من نوعها، وکذلك مجزرة السجناء السياسيين في عام 1988، والتي تم خلالها وبموجب فتوى ذات أثر رجعي غريب من نوعه لخميني بتنفيذ أحکام الاعدام بآلاف السجناء السياسيين في غضون أقل من ثلاثة أشهر، والمثير للإشمئزاز والقرف إن هذا النظام يتفاخر بإرتکابه هذه الجريمة ويعتبرها من مآثره ومناقبه الحميدة بل وحتى يريد أن يقنع العالم بأن هذه الجريمة بشکل خاص والمجازر الاخرى التي إرتکبها إنما کانت من أجل حقوق الانسان کما أجاب ابراهيم رئيسي المراسلين الاجانب عندما سألوه عن دوره في مجزرة عام 1988، حيث کان أحد أعضاء لجنة الموت الرباعية فيها، ولکن ومع رفض هذا النظام القاطع بتصفية حسابه مع تأريخه الدموي المظلم الذي ذکرنا مثالين مروعين له، فقد وقفت منظمة مجاهدي خلق بالمرصاد لهذا النظام وأصرت على العمل دونما کلل أو ملل من أجل فتح"الصندق الاسود"للماضي المظلم لهذا النظام.
هناك الکثير من المفارقات التي واجهها نظام الملالي طوال العقود الاربعة من حکمه، ولکن لاتوجد مفارقة فريدة من نوعها کتزامن إستلام إبراهيم رئيسي لمهام منصبه في شهر آب/أغسطس کرئيس للجمهورية مع إعلان السلطات القضائية السويدية أنها ستحاكم في يوم 10 من آب/أغسطس القادم، مسؤولا إيرانيا سابقا بتهمة التورط في عمليات إعدام جماعية طالت معارضين، أمر بها في صيف العام 1988، وبحسب القرار الاتهامي السويدي، يلاحق حميد نوري البالغ 60 عاما، الذي كان يشغل آنذاك منصب مساعد لنائب المدعي العام في سجن كوهردشت في مدينة كرج الإيرانية، لارتكابه جرائم حرب وقتل، بموجب الاختصاص العالمي للقضاء السويدي في هذه القضايا. ولهذه المفارقة معانيها ودلالاتها التي من شأنها أن تقض مضجع ملالي إيران، إذ أنها تمهد الطريق لفتح ملف قضية کانت منظمة العفو الدولية قد إعتبرتها عند إرتکابها بأنها"جريمة ضد الانسانية" ويجب محاسبة مرتکبيها.
حميد نوري، الذي کان مساعدا لنائب المدعي العام في سجن كوهردشت في مدينة كرج، تم رفع عشرات الشكاوى القضائية من قبل مواطنين إيرانيين، كانوا من ضحاياه أو من ذوي الضحايا والشهود، أکدت المدعية العامة السويدية كريستينا ليندهوف كارلسون، في القرار الاتهامي، أن حميد نوري متهم بقتل متعمد لعدد كبير جدا من المعتقلين السياسيين والمعارضين، وإعدامهم على خلفية معارضتهم للدولة الإيرانية، بحسب النيابة العامة في السويد. لکن وخلال التحقيقات التي جرت مع نوري، فقد کان واضحا ومنذ بداية التحقيق إنه يتصرف بطريقة واسلوب ديماغوجي فيه الکثير من الکذب والخداع والفذلکة والحذلقة والتلاعب بالالفاظ واللف والدوران بحيث يذکرنا بالقول المأثور للمفکر"ألبير کامو":( المخادع ذئب يبکي تحت أقدام الراعي.).
حميد نوري، أو السفاح الصغير إذا جاز القول ذلك إن السفاحين الکبار من أعضاء لجنة الموت مازالوا أحرارا ويشغلون مناصب في إيران، يحاول من خلال التحقيق أن يتنصل من جريمته ويصر على إنه ليس"حميد نوري" الذي تعنيه منظمة مجاهدي خلق وکذلك الذين سجلوا شکاوي شکاوي قضائية ضده في السويد، لکن النقطة الاکثر إثارة في هذه القضية، هو بروز شخص ليس غريب وإنما عجيب جدا هو "إيرج مصداقي" الذي وکما يقول المثل الکردي والفارسي في نفس الوقت"يضرب الحدوة والمسمار في آن واحد" إذ أنه ومن جهة يسعى لإظهار نفسه بمظهر المشتکي ومن جهة أخرى فقد تم کشف إرتباطه بحميد نوري وبتأريخ 17/کانون الثاني/2019، أي قبل عشرة أشهر من إعتقال حميد نوري فإن الاخير أرسل له إيميلا، لکن حميد يصر أمام المحققين من إنه لايعرف إستخدام الايميل ولم يرسل إيميلا لأحد وعندما يسأله المحققون إذن من قام بإرساله فيقول متغابيا؛ لاأعلم ممکن أن أحدهم قام بإختراق هاتفي وارسل هذا الايميل!! لکن وجه السخرية والغرابة والتهکم ليس فيما يزعمه حميد کذبا وخداعا وإنما في رد إيرج مصداقي بشأن ذلك الايميل عندما يقول بأنه لايتذکر شيئا من هذا القبيل!!
الامر الذي يضاعف من قلق النظام بخصوص إستغلال هذه القضية، إن مصداقي يٶيد بأنه عندما کان في إيران فإن حميد نوري قد قام بإحضاره الى السجن وهناك طلب منه التعاون کما جاء في الملف وإن مصداقي قد وافق على ذلك، وهذا مايٶيد ويدعم الارتباطات المشبوهة لمصداقي مع النظام الايراني.
حميد نوري وهو يلف ويدور ويروغ کما يروغ الثعلب من أجل خداع المحققين، فإنه يسعى للطعن بالمشتکين ضده وبشکل خاص من المنتمين لمجاهدي خلق، عندما يصف المنظمة بأسوأ الاوصاف وحتى يقوم بإيراد مثل نابي من أجل إظهار کونهم خونة، والذي يجب ملاحظته جيدا وأخذه بنظر الاهمية والاعتبار، هو إن الذي يجري بين حميد نوري کمتهم وبين الشاکي المشبوه إيرج مصداقي، يمکن إعتباره کمخطط مشبوه الهدف منه تحقيق هدفين أساسيين وهما:
الاول: الطعن بالمنظمة والطعن بأصل الشکاوي الحقيقية المقدمة ضد حميد نوري بشکل خاص وضد النظام بشکل عام، وذلك من أجل إبعاد المنظمة عن هذه القضية وحرف مسارها بسياق يصب في مصلحة نظام الملالي.
الثاني: العمل من أجل تبييض وجه مصداقي الذي يبدو أمام الايرانيين کمثال لنموذج مکروه.
مايجب على نظام الملالي أن يعلمونه ولاينسونه أبدا هو إن مجزرة عام 1988، مترادفة مع منظمة مجاهدي خلق لأن أغلب ضحاياها کانوا من أعضائها کما تثبت الادلة والمستمسکات الدامغة بهذا الخصوص، بل وحتى إن فتوى خميني بهذا الصدد قد قصدتهم دون غيرهم، وإن السعي من أجل إبعاد مجاهدي خلق عن هذه المجزرة وفك إرتباطها الجدلي بها أشبه ماتکون بأحلام العصافير وليس أکثر ولاأقل!