تابع العالم بأسره، تراجيديا عودة طالبان الى المشهد، بعد ازاحتها للنظام ووصولها القصر الرئاسي ومن ثم اعلان قيام إمارة اسلامية في أفغانستان، وتناقلت أكبر القنوات الإعلامية مشاهد محاولة هروب العائلات في مطار كابول، في مشهد دراماتيكي يصف مدى الخوف الذي انتشر كالفايروس في نفوس الأفغان وهم يقعون تحت صدمة عودة البعبع المتطرف الى المشهد الذي أتى لقطع الرقاب وتكميم الافواه، ونشر أيديولوجية حكم مشابهة لنظام كوريا الشمالية حيث لا مجال للمعارضة ولا مجال للتطلع للعالم الخارجي.

وبالرغم من أن طالبان تسعى الآن إلى تقديم وجه أكثر اعتدالًا. حيث وعدت الحركة مرارًا وتكرارًا بأنها إذا عادت إلى السلطة، فسوف تحترم حقوق الإنسان، وخاصة حقوق المرأة، وفقًا لـ "القيم الإسلامية". وقال أحد المتحدثين باسمهم، سهيل شاهين، لـ "بي بي سي" إنه سيتم الحفاظ على حقوق المرأة، وكذلك حريات الإعلام والدبلوماسيين. وقال "نطمئن الناس، وخاصة في مدينة كابول، على أن ممتلكاتهم وحياتهم في أمان". ولكن الصور التي تأتي من كابول مخالفة تماما لكلام طالبان، فقد تم التضييق على الصحفيات الأفغانيات وعدم السماح لهن بدخول مباني المؤسسات الإعلامية كما تم غلق العديد من صالات الحلاقة مع طمس كل الصور التي تظهر النسوة في الإعلانات واللافتات الإشهارية للمحلات.

ليس هذا بالشيئ الغريب على طالبان فالكلام الذي يقال في الندوات ما هو الا مجرد كلام للاستهلاك الإعلامي بمدة صلاحية قصيرة، ونحن لم ننسى لأنهم عندما حكموا هذا البلد، بين عامي 1996 و2001 حاولو تسويق صورة بيضاء لوسائل الاعلام الأجنبية بأنهم حركة تريد حكما إسلاميا وسطيا لا يتعارض مع عادات وتقاليد البلاد، ولكنها سرعان ما فرضت نسختها الصارمة من الشريعة الإسلامية، حيث لم يعد ممكنا للمرأة أن تعمل ولا تدرس. وكان ارتداء البرقع إجبارياً في الأماكن العامة، ولا يمكنهم مغادرة منازلهن إلا برفقة "محرم"، مرافق لأسرهم. ونُفِّذ الجلد والإعدام، بما في ذلك الرجم بتهمة الزنا، في ساحات البلدة وفي الملاعب.

ينبغي التذكير بالتقرير المؤلف الذي نشرته "هيومن رايتس وتش" في عام 2020 في المناطق التي كانت خاضعة لحكم طالبان قبل سقوط النظام بسنة كاملة، واحتوى التقرير 69 صفحة بعنوان "ليس لديك الحق في الشكوى": التعليم والقيود الاجتماعية والعدالة في أفغانستان التي تسيطر عليها طالبان "العدالة في طالبان أفغانستان"، يفحص الحياة اليومية للناس في المناطق التي تسيطر عليها طالبان والقيود التي يفرضونها على التعليم والوصول إلى المعلومات ووسائل الإعلام وحرية التنقل. ألقت انتهاكات حقوق الإنسان الواسعة النطاق التي ارتكبتها حركة طالبان في المناطق التي تسيطر عليها بظلال من الشك على نيتها احترام التزاماتها الحقوقية في أي اتفاق سلام مستقبلي.

هناك اوجه شبه بين حركة طالبان ونظيراتها العربية في طريقة صعودها الى السلطة، على غرار ما حصل في لبنان مع حركة حزب الله، والتي أطلقت العديد من الشعارات للاستهلاك المحلي حيث وعدت بتوفير حياة كريمة لمواطني الجنوب اللبناني وأطلقت شعارات المقاومة والتحرير لكسب الشرعية الشعبية في محاولة لايصال رسالة الى المجتمع الدولي بأن الحركة لم تصل الى الحكم بقوة السلاح بل أتت نتيجة تبني الشعب اللبناني في الجنوب لفكر المقاومة، وأعطت ضمانات بأن هدف وجودها ماهو الا لتحرير كل شبر من الأراضي اللبنانية وأن لا نية لها بلعب دور اقليمي في المنطقة .ولكنها سرعان ما انساقت الى تحالفات مع دوائر الحكم الفاسدة وأنغمست في السياسة مبتعدة عن المبادئ التي أطلقتها في بادئ الأمر، بل اصبح ثقلها في المشهد اللبناني يحسب له ألف حساب.

وغير بعيد عن لبنان، تسيدت حركة حماس في غزة وجماعة الاخوان المسلمين في مصر المشهد السياسي مستعملة الخطاب الديني للترويج لمشروع سياسي في ظاهره معاني المقاومة والصمود ودحر الاحتلال والحكم الراشد وفق مبادئ الشريعة الاسلامية ولكن سرعان ما زال مفعول السحر لتتضح للعيان أن الاساليب التي تتغلغل بها التنظيمات الاسلامية الى السلطة لاتخدم الا مصالح المنادين بها.