كان هذا قبل فترةٍ باتت بعيدةً فالرئيس الإيراني السابق، أو الأسبق لا فرق، محمود أحمدي نجاد قد قال في مقابلةٍ معه في "شريط فيديو": "إنّ مسؤول مكافحة إسرائيل في وزارة الإستخبارات الإيرانية كان جاسوساً إسرائيلياً" وقد جاء هذا الذي قاله أكبر مسؤولٍ في الدولة الإيرانية، دولة الوليّ الفقيه، بعد يومين من تصريح لرئيس "الموساد" السابق يوسي كوهين تحدث فيه عن نفوذ المخابرات الإسرائيلية في البرنامج النووي الإيراني.

وهكذا فإنّ التذكير بهذا الذي قد مرَّت عليه فترةٌ يعتبرها البعض طويلةً هو من أجل التأكيد على أنّ كل هذا الذي تقوم به إيران في المنطقة العربية لا يخدمُ إلّا إسرائيل إذْ أنّ عمليات الفرز المذهبي والطائفي التي قامت بها في بعض دول ومناطق الخليج العربي لا تخدم إلّا ما كان يصفه الخميني، قبل وبعد الثورة الإيرانية.. ثورة عام 1979، بأنه العدو الصهيوني وهذه مسألةٌ باتت واضحةً ومعروفةً.. والمفترض أنه لا نقاش فيها!!

إنه عندما قام الخميني بثورته وعودته إلى طهران، بعد سنواتٍ طويلةٍ في المنافي البعيدة قد تفاءل بعض العرب وهذا إنْ ليس كلهم بأنّ إيران التي كانت شاهنشاهية ستصبح رديفاً لأشقائها وهذا قد جعل أحد مغرِّدي إذاعة "صوت فلسطين"، التي كانت تبثُّ من بيروت الغربية، يطلق لحنجرته العنان ويقول "زغردةً": "هبّت رياح الخميني.. وكان يا ما كان" وحقيقةً أنّ حتى اللبنانيّين وبخاصةٍ "الشيعة" منهم باتوا يهزجون مع الإذاعة الفلسطينية التي ما كانوا يستمعون إليها هم وغالبية فلسطيني المخيمات وهذا قد جعل حتى الذين من اللبنانيين ما كانوا يرتاحون لا لأبناء الجنوب اللبناني ولا للفلسطينيين وقياداتهم يعتبرون أنه لا بدّ من التقرّب من هذه الثورة التي اعتبروها ثورةً فلسطينيةً .. وثورةً لأبناء الطائفة الشيعية.

ولعلّ ما تجدر الإشارة إليه في هذا المجال هو أنّ بعض العرب أخذوا يتقرّبون من "أبو عمار" وعلى أساس أنّ هذه الثورة الإيرانية هي ثورته وأنّ إيران الخمينية ستصبح قاعدةً فلسطينيةً لكنّ هذا كُلّه قد تبدّد قبل أنْ "يصيح الديك" كما يقال وأنّ عرفات قد "شَمّع الخيط" كما يقال أيضاً وأنه قد أصبح أقرب المقرّبين لـ "صدام حسين" وأصبحت إقامته الدائمة في بغداد التي بات يصفها بأنها: "عاصمة الرشيد"!!

وعليه فإنّ هذه الإيران، التي كان بعض العرب قد هتفوا لثورتها الخمينية حتى بُحًّتْ حناجرهم، قد باتت تفعل في بعض دول الوطن العربي كُلُّ هذا الذي تفعله وأنها للأسف قد نجحت في بعض محاولات الفرز الطائفي والمذهبي وها هي تحشد الآن قواتها ضد أذربيجان وتسعى للهيمنة عليها بعد هيمنتها على بعض الدول العربية وعلى أفغانستان.. وهنا وبالطبع فإنها لم تعد تتذكر أنّ هناك قضية فلسطينية.. وأنّ عدوّها هم العرب الذين لا يتّفقون معها ومع توجهاتها وليس العدو الصهيوني ولا "الإمبريالية" الأميركية!!