بتاريخ 23 يناير 2018 نشرنا في "ايلاف" مقالا بعنوان "مشروع الحساب الوطني لكل مواطن عراقي"، وهو كان بالاصل مشروع بمقترحات عملية وواقعية والية تنفيذية لتخصيص نسبة من الايرادات العامة السنوية للدولة العراقية على كافة المواطنين كل شهر ووضعها في حسابات مصرفية خاصة بهم، وقد سلم نسخة من المشروع الى احد مستشاري رئيس الوزراء في تلك الفترة، ولكن بسبب النزعة الفاسدة والاسلوب العنصري والطائفي في ادارة الحكومة ذهبت الفكرة ادراج الرياح، وقد كان الغرض الرئيسي من المشروع هو مجابهة الفساد الرهيب المفروض من قبل سلطة الاحزاب على العراقيين، وسحب المال العام المسروق والمهدور منهم وتوزيعه على المواطنين، وقد كان لهذا الاقتراح فوائد جمة حياتية ومعيشية واقتصادية واجتماعية وتنموية، علما ان المرحوم احمد جلبي قد طرح في حينه فكرة قريبة من المشروع اعلاه لتوزيع نسبة من الايرادات العامة على جميع العراقيين، ولكن لم يؤخذ بمقترح الجلبي من قبل الاحزاب الحاكمة من كل المكونات الشيعية والسنية والكردية، والمقترح تم رفضه لانه كان يسد عليهم باب نهب المال العام.

ولأهمية فكرة توزيع المال العام على الموطنين وخاصة على صعيد الواقع العراقي المأزوم بالمشاكل والازمات الاقتصادية والمالية الخطيرة، وذلك بسبب الحكم الفاسد الرهيب للنظام السياسي اللاوطني السائد، يأتي موقع "بلومبيرك" الامريكي حسب تقرير سياسي منشور بتاريخ 5/10/2021 بعنوان:

"how to make iraq's elections a game changer: give people money"

"كيف نجعل الانتخابات العراقية أداة للتغيير: اعط المال العام للجميع"

يأتي الموقع الى تبني نفس الفكرة والمشروع اعلاه مستغلا نجاح انتخابات العاشر من اكتوبر، مبينا ضرورة قيام العراق بحكومته وسلطاته التنفيذية والتشريعية بتبني نظام لتوزيع الايرادات العامة للدولة على المواطنين جميعا، وذلك لمجابهة ومكافحة الفساد الذي لا يمكن القضاء عليه الا بتطبيق فكرة "المال العام للجميع"، وحسب تقرير الموقع الامريكي يجد فكرة توزيع الايرادات العامة بانها الحل الوحيد لعلاج سرقة المال العام بعشرات ومئات المليارات من الدولار وذلك من قبل الاحزاب الحاكمة ونهبها من الميزانية السنوية العامة المخصصة للعراقيين فقط بالاسم، ويؤكد بان التخصيصات الحكومية وايرادات الميزانية والاموال المنهوبة تذهب الى جيوب الاحزاب التي تدير الوزارات حسب المحاصصة النيابية الانتخابية في مجلس النواب، فكل كتلة او حزب فائز في البرلمان ينال حصته من وزارات ومؤسسات الحكومة، وبالتالي يستولي على تخصيصات الوزارة ودوائرها ويسخرها لاغراضه ومصالحه الحزبية والعائلية والشخصية، وتقدر تخصيصات كل وزارة بمليارات الدولارات كل سنة، وتذهب نصفها او اغلبها الى جيوب الحزب المسيطر عليها، ولا ينكر ان هذه المحاصصة الفاسدة لتقسيم كعكة تخصيصات الوزارات على الاحزاب هي الاكبر على مستوى اقليم كردستان، حيث تكون الحكومة برمتها من حصة الحزب الحاكم والعائلة الحاكمة للرئيسين البرزاني والمرحوم الطالباني.

واليوم لاهمية المشروح الذي طرحناه بالسابق قبل سنتين، نعيد بعض الفقرات منه مع اجراء تعديلات عليه لمواكبة التطورات السياسية والاقتصادية التي جرت في العراق، ويمكن اعادة تقديم المشروع بخلاصة عملية وواقعية وبرؤية مستوعبة للظروف المحيطة بالايرادات السنوية العامة للحكومة العراقية، وباختصار فان ماهية ومكونات مشروع الحساب الوطني لكل مواطن عراقي هي ما يلي:

اسم المشروع:
مشروع الحساب الوطني لكل مواطن عراقي

تعريف المشروع:
مشروع عراقي وطني يهدف الى تعزيز وتنمية المواطنة العراقية وتوفير المقومات المعيشية والحياتية لكافة ابناء الوطن، والقضاء على فساد الاحزاب والحكومة، وذلك من خلال تخصيص حصة مناسبة بنسبة 50% من الموازنة العامة السنوية لكل المواطنين العراقيين كل سنة، ويرمي المشروع ايضا الى اعادة رسم العلاقة بين الحكومة والمواطن، وبين السلطة والشعب، وبين الدولة والمجتمع.

اهداف المشروع:
تحديد حصة بنسبة محددة (50%) كل سنة من واردات الدولة العراقية لكل المواطنين فردا فردا لتطبيق شعار ثروة الدولة ملك للشعب، وذلك استنادا الى الفقرة أولا من المادة 33 من الدستور الدائم "لكل فرد حق العيش في ظروفٍ بيئيةٍ سليمة"، ووفقا للمادة 111 التي تنص "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات"، وبناء برنامج وطني شامل لخدمة كل العراقيين وفقا لمبدأ تحقيق المساواة وتكافوء الفرص والعدالة، وتحقيق مبدأ المواطنة العراقية الصحيحة وفقا لمباديء العدالة الواردة في اللوائح الدولية والدستور الدائم.

ماهية المشروع:
الهدف الأسمى للمشروع هو تحقيق حصة عادلة توزع بالتساوي على كل المواطنين بنسبة 50% من مجموع الميزانية السنوية العامة، وتخصيص بقية النسبة الباقية 50% للتخصيصات التشغيلية والاستثمارية لادارة الدولة العراقية، وذلك وفق مرحلة زمنية متوالية من عشر سنين، وثم يتم التواصل بعد اجراء تقيم شامل للمشروع ويستمر بالتنفيذ في السنوات اللاحقة، وقبل البدء الفعلي للمشروع تفتتح حسابات مصرفية لكل مواطن جاوز 18 سنة، ولكل مواطن لم يتجاوز سن البلوغ، ويزود الحساب كل شهر بحصة مالية حسب ما تقرره الحكومة وفقا لخطة سنوية ملحقة بقانون الموازنة السنوية العامة للدولة.

آلية عمل المشروع:
بعد تحديد حصة المواطنين السنوية من الموازنة العامة توزع المبالغ شهريا على مدى 12 شهرا ويدخل مباشرة في الحساب المصرفي لكل مواطن، وتتواصل العملية بنفس الطريقة في السنوات اللاحقة، ويحق لكل مواطن السحب من الحساب بعد مرور سنة على فتح الحساب، وكل مواطن لم يكمل سن البلوغ 18 تبقى اموال حصته في الحساب لحين الوصول الى السن القانوني ثم يحق له السحب.

تنفيذ المشروع:
تقديم مسودة المشروع من قبل الحكومة الى مجلس النواب لاقرارها كقانون او كبند ضمن مواد قانون الموازنة السنوية العامة، وتشكيل هيئة مستقلة لتنفيذ المشروع باسم "هيئة الحساب الوطني للمواطن" مرتبطة بمجلس النواب، وتخصيص حصة المواطنين كل سنة حسب قانون الموازنة السنوية العامة، وتوفير الموارد المالية كل شهر للنسبة المخصصة كحصة للمواطنين كل شهر لتوزيعها وارسالها الى الحسابات المصرفية للمواطنين، وكل فرد عراقي يستحق الحصة من يوم الولادة الى يوم الوفاة، وفي حالة بقاء اي مبلغ في حساب المصرف عند وفاة اي فرد تقوم الدولة باعادته الى ورثته او التبرع بها الى منظمات خيرية.

مستلزمات المشروع:
اصدار قانون او تضمين فقرة قانونية ضمن قانون الموازنة السنوية العامة للدولة كل سنة، وتشكيل هيئة مستقلة للمشروع تابعة لمجلس النواب، وفتح حسابات مصرفية لكل مواطن في المصارف الحكومية والاهلية، وموارد مالية شهرية، ورقابة مالية من قبل ديوان الرقابة العامة.

الفكرة واعداد المشروع:
وذلك بالاستناد الى نصوص الدستور العراقي الدائم الذي يضمن الحق الطبيعي لكل مواطن بالاستفادة المباشرة من الثروات والواردات والموارد العامة ومنها النفط والغاز والمعادن، وفق المادتين 33 و111 من الدستور الدائم، وذلك لتحقيق العدالة والمساواة والكرامة لكل فرد عراقي، وتوفير الظروف الحياتية المناسبة لكل شخص يحمل الهوية والجنسية العراقية.

الأسباب الموجبة:
بسبب صعوبة السيطرة على الفساد الرهيب الهائل الجاري والمتفشي في العراق على الصعيد الحكومي والحزبي والاهلي، وهدر أموال طائلة تذهب الى جيوب الحكام والمسؤولين المتسلطين والمتحكمين بالمفاصل السياسية والاقتصادية للدولة العراقية، وضياع نسبة كبيرة من الواردات العامة من النفط والغاز، ولغرض تخصيص نسبة من الموارد المالية العامة التي تذهب هدرا من خزينة الدولة الى المواطنين وفقا لضرورات دستورية وحقوقية من اجل تأمين الحياة الكريمة لكل مواطن عراقي، من اجل ذلك طرح هذا المشروع بناءا لمقتضيات المصلحة العامة وخدمة كل العراقيين.

والله من وراء القصد.