بعد أن ذكر وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، تعليقاً ذكياً حسم به الجدل في قضية تصريحات وزير الإعلام اللبناني جورج قرداحي حول المملكة، وذلك حين قال الأمير فيصل: "أعتقد أن من المهم أن تصوغ الحكومة في لبنان أو المؤسسة اللبنانية مسارا للمضي قدما بما يحرر لبنان من الهيكل السياسي الحالي الذي يعزز هيمنة حزب الله". ففيما بدا أن الجدل هو حول تصريحات لوزير الإعلام اللبناني، لفت الوزير فيصل بن فرحان الانتباه إلى ما هو أكبر من ذلك، أي إلى المأزق الذي يعيشه لبنان منذ أن هيمن حزب الله على قراراه السياسي واختطف البلد لصالح المشاريع الإقليمية لإيران. ولم يتأخر رد وزير الخارجية اللبناني الذي كذلك وضع النقاط على الحروف وإن من باب الإقرار بالعجز حين قال "إن الحكومة غير قادرة على تحجيم حزب الله" فكان رده هذا بمثابة إقرار بما لفت إليه وزير الخارجية السعودي حول حقيقة الوضع.

لبنان اليوم في وضع لا يحسد عليه، وللأسف أصبحت طاقات هذا البلد مشلولة بطريقة دلت على أن هيمنة حزب الله واختطافه للبنان بلغت مبلغاً يرقى إلى أن يكون مأزقاً، وهنا تكمن الخطورة.

ففي ظل صمت حزب الله طوال السنوات التي سبقت مقتل الرئيس الحريري في العام 2005 وطرح نفسه حزب مقاوم معني بحماية لبنان ولا شأن له بالسياسة الداخلية للبنان، كان ذلك الموقف منه تقيةً لأنه بمجرد خروج السوريين من لبنان في العام 2005 تولى حزب الله التدخل في الشؤون السياسية والتحكم بمسار السياسة اللبنانية منذ تحالفه مع التيار العوني في اتفاق العام 2006.

وكانت أحداث 7 أيار في العام 2008 هي لحظة تجريب داخلي لسلاح حزب الله – الذي طالما ظل يردد باستمرار أنه سلاح موجه للعدو الإسرائيلي - حين استخدم فيها حزب الله سلاحه داخل بيروت ففرض منذ ذلك العام هيمنته بالسلاح.

وهكذا حين سقطت كذبة سلاح المقاومة، بتحوله إلى صدور المواطنين اللبنانيين كشَّر الحزب عن أنيابه وهيمن عبر وسائل سياسية وبرلمانية مواصلاً خدمة أجندة إيران حتى على حساب الوطن الصغير لبنان.

وكان الأمر أكثر وضوحاً حين تبين أن الحزب متورط في مقتل الرئيس الراحل رفيق الحريري العام 2005 كما كشفت ذلك المجلة الألمانية (دير شبيغل).

تلك المحطات القاسية لتاريخ حزب الله تكشف تماماً عن ادعاءاته لأنه منذ العام 2011 بدأ حزب الله يلعب على المكشوف لصالح إيران، حيث جاهر زعم الحزب حسن نصر الله أن له بيعة في عنقه للمرشد العام للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي.

وحين تأكدت الحكومة اللبنانية من انسداد الوضع لنجاح أي علاقة مع المملكة العربية السعودية في ظل هيمنة حزب الله على القرار السياسي اللبناني، انتهت مهمة خلية الأزمة التي أنشأها وزير الخارجية اللبناني لمعالجة الوضع.

إن علاقة السعودية بلبنان التي تمت الإساءة إليها عبر تصريحات وزير الإعلام جورج قرداحي لمن تكن تستحق ذلك الموقف من شخص يبدو أنه لا يدرك أهمية المملكة العربية السعودية للبنان والخدمات الجليلة التي قدمتها دبلوماسية المملكة العربية السعودية للبنان. فلبنان الذي استمرت فيه الحرب الأهلية لـ 15 عاماً وحدها السعودية هي التي استطاعت أن تنهي تلك الحرب في العام 1990 بقيادة الملك فهد بن عبد العزيز رحمه الله الذي بذل مساعي عظيمة من أجل جمع الفرقاء اللبنانيين باختلاف طوائفهم في مؤتمر الطائف حتى وفقهم الله إلى إنهاء تلك الحرب.

لقد ظل الدعم السعودي للبنان يتدفق بدون من لأنه دعم لدولة عربية شقيقة، فقد كان الرئيس رفيق الحريري، رحمه الله، هو أحد الذين أعادوا بناء لبنان بعد انتهاء الحرب اللبنانية، ووجد في مساعدة المملكة ما أعانه على انجاز تلك المهمة النبيلة.

وعلى خطى الملك فهد، كان الملك عبد الله بن عبد العزيز، رحمه الله، حريصاً على دعم لبنان رغم إدراكه لما كان يقوم به حزب الله في لبنان، لكنه آثر الصبر والعطاء دون من.

إن ما قدمته المملكة العربية السعودية للبنان عبر دبلوماسيتها الخارجية الحميدة في دعم أي إجماع وطني ومساعدة الجميع على الخروج من المشكلات بما تبذله المملكة من تسهيلات و اسناد كان خير دليل على أن المملكة لا تمل من مساعدة أشقائها العرب وخصوصاً لبنان، لكن ما لا يمكن أن تتحمله المملكة هو أن تتم الإساءة إلى سياساتها الخارجية من وزير إعلام لبناني رفض أن يعتذر أو يتراجع عن كلامه.

ما كان للمملكة العربية السعودية لتنتظر ما يسوءها من لبنان، بعد كل ما قدمته للبنان من دعم يمليه عليها واجب العروبة والإخوة، لكنها اليوم تدرك تماماً أن لبنان في مأزق نتيجة لتغول حزب الله في اختطاف قراره السياسي.