"لقد اخترق مجهول حسابي الشخصي، وبدأ يرسم لي صورا وفيديوهات خادشه وعبارات مسيئة وشتائم" هذا ما أبلغت عنه فتاة عربية مراهقة وهي ترتجف وتبكي. "أشعر بالذعر والحزن، كيف يستطيع شخص القيام بذلك وهل فعلا لا يمكن التعرف عليه أو محاسبته؟ كيف تتم حماية خصوصية من استهدفني بهذه الفظاعة ولا أتمكن من الحصول ولو على جزء من هذه الحصانة على الانترنت؟" أضافت الفتاة.

هذه الحادثة غيض من فيض ما يعانيه الكثيرون على شبكة الانترنت، هذا العنف، الذي لا يمكن التعرف على مرتكبه في كثير من الحالات لأسباب معقدة كثيرة، تكون النساء والفتيات الأكثر عرضة له. هذا العنف القائم على النوع الاجتماعي مرفوض ويجب ان يتوقف.

والعنف القائم على النوع الاجتماعي هو أي عمل ينتج عنه أو من المحتمل أن يؤدي إلى الأذى أو المعاناة الجسدية أو الجنسية أو النفسية للنساء والفتيات. وهذا يشمل التهديدات بمثل هذه الأفعال أو الإكراه أو الحرمان التعسفي من الحرية، سواء حدثت في الحياة العامة أو الخاصة، إن العنف القائم على النوع الاجتماعي يتم ارتكابه في سياقات متعددة ومنها ما نشهده على شبكة الانترنت، وهنا يشير إلى العنف السيبراني القائم على النوع الاجتماعي الذي يتم من خلال استخدام تكنولوجيا المعلومات والاتصالات لتسهيل أو توسيع نطاق الأذى سواء الاعتداء الجنسي الممكّن من التكنولوجيا والاعتداء الجنسي القائم على استخدام الصور أو اجبار النساء و الفتيات على تبادلها قسراً تحت التهديد أو والمطاردة عبر الإنترنت والتحرش الإجرامي ، فضلاً عن التحرش الجنسي على الإنترنت والتحرش القائم على النوع الاجتماعي.

أفادت بعض الدراسات الأبحاث الحديثة بأن النساء يتعرضن بشكل غير متناسب لأشكال مختلفة من الإساءة على شبكة الإنترنت في أنحاء مختلفة من العالم، ولا سيما النساء من ديانات معينة أو مجموعات إثنية أو عرقية أو بسبب الوضع الاقتصادي أو بعض الفئات المهمشة او الأكثر استضعافاً وذوات الإعاقة.
وليست المنطقة العربية استثناءً في هذا الصدد. وقد اتخذت بعض الحكومات تدابير ضد أشخاص يستغلون وسائل التواصل الاجتماعي لارتكاب أعمال عنف واستغلوا فتيات ومراهقات، لكن الاستجابة لا تزال محدودة ولا تتناسب مع حجم العنف الممارس على الإنترنت.

والتنمر الإلكتروني هو شكل آخر من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي حيث تتأثر النساء والفتيات به بشكل غير متناسب.
ومن الأشكال الخطيرة الأخرى للعنف السيبراني هو استخدام ما نشر المراهقون وخاصة الفتيات عن طيب خاطر من صور أو مقاطع فيديو لأنفسهم على وسائل التواصل الاجتماعي ومنصات مشاركة الفيديو، مثل انستغرام و تويتر و يوتيوب و تيك توك، ثم قيام البعض بتوجيه إهانات لهم ومهاجمتهم بسبب تلك المنشورات؛ يستخدم هذا أحيانًا لاستهداف الضحايا بالتعليقات والصور ومقاطع الفيديو المسيئة عبر الإنترنت، وكثيرا ما يعجز الضحايا عن مواجهة هذا الشكل من العنف ولا يمكنهم تحمل المزيد من الإساءات فيلجؤون عاجزين لردود فعل مثل البكاء وإيذاء النفس، وما إلى ذلك.

لقد لحظنا في المنطقة العربية وخلال السنوات القليلة الماضية وجود ملاحقات قضائية نشطة وأحكام بالسجن بحق مستغلي شبكات التواصل الاجتماعي بدعوى حماية المجتمع من ما وصف بممارسات مرفوضة في المجتمع أو ممارسات فاسدة، لكننا لم نلاحظ مثل هذه الإجراءات ضد الأشخاص الذين يتنمرون على المراهقين والشباب. ولا سيما المراهقات. من المهم أن تضمن الحكومات حماية الشباب والمراهقين من التنمر ويجب أن تراعي استجابتها النوع الاجتماعي.

وتدعو الخطة الإستراتيجية لصندوق الأمم المتحدة للسكان إلى القضاء على العنف القائم على النوع الاجتماعي بما في ذلك العنف السيبراني (على الإنترنت) القائم على أساس النوع الاجتماعي. نعتقد أنه يحق لجميع الأشخاص استخدام الإنترنت ومشاركة المعلومات والتواصل مع الأفراد عبر الإنترنت دون التعرض للإساءة والعنف.

ولقد أطلق صندوق الأمم المتحدة للسكان مؤخرًاً حملة حق الملكية الجسدية bodyright، وهي رمز "حقوق نشر" جديد للمطالبة بالحماية من العنف عبر الإنترنت. وتتلخص في ضرورة توفير كافة الوسائل لحماية الجميع خاصة النساء والفتيات من كافة صنوف العنف القائم على النوع الاجتماعي على شبكة الإنترنت، يجب أن تتحمل شركات الإنترنت والجهات الرسمية المعنية مسؤولية تحقيق ذلك، لا يمكن أن تفضل حقوق النشر الممنوحة لشركات الإنترنت على حقوق النساء والفتيات الأساسية في الحماية من العنف والاستغلال، إن حقوق الأشخاص في أجسادهم تعلو على حقوق النشر. واقتبس من رسالة المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، الدكتورة ناتاليا كانيم: "لقد حان الوقت لشركات التكنولوجيا وواضعي السياسات أن يأخذوا العنف الرقمي على محمل الجد، في الوقت الحالي، تحظى شعارات الشركات والملكية الفكرية المحمية بحقوق الطبع والنشر بحماية أكبر عبر الإنترنت مما نحصل عليه كبشر."

ورغم كل ما يبذل من جهود يبقى الواقع مؤلماً، حيث ان بيئة الإنترنت ليست خالية من مثل هذه الإساءات والعنف، ويمكن أن يتعرض الأطفال والمراهقون (وقد تعرضوا) للاستغلال الجنسي والاعتداء الجنسي والتخويف والمضايقة والمطاردة والابتزاز على الإنترنت من قبل أشخاص في أجزاء مختلفة من العالم. وتلحق هذه الجرائم اذى عظيما وتوقع الضحايا تكاليف باهظة على الضحايا ويمكن أن يكون التعافي من تداعياتها السلبية امراً شبه مستحل. لهذا السبب ، هناك حاجة إلى تدابير قانونية وتقنية مناسبة على المستويات الوطنية والإقليمية والدولية لمكافحة هذه الجرائم والتصدي لها ومنعها.

الدكتور لؤي شبانه، المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية