قصة من التاريخ والحاضر؛ عام 1258 زحف هولاكو المغولي نحو بغداد المزدهرة التي استباحها قتلا ونهبا وحرقا وتخريبا بعد أن حاصرها 12 يوما، وفي عام 2022 ضربت إيران مدينة أربيل بـ 12 صاروخا باليستيا وبالذات يوم 13 من هذا الشهر لتحدث دمارا في أماكن مدنيّة، وقنصلية أمريكية تحت الإنشاء. وما بين الحدثين مشتركات؛ 12 صاروخا على أربيل و12 يوما حصارا على بغداد، والمستهدف بغداد التي كانت حاضرة الدولة العباسية ورمز الازدهار، وأربيل عاصمة السياحة العربية المتفوقة بجمالها ونظافتها ورونقها البهي. والفاعل واحد بالسلوكيات؛ ضد الحياة والتنمية والازدهار.
أربيل هي قصة نجاح اقتصادي وأمني وسياحي واستثماري وعمراني، مثلما هي قصة نجاح في التسامح السياسي، وعمق حضاري موغل في القدم، حيث تمثل احدى الرموز التاريخية لأقدم المستوطنات الآهلة بالسكان بدليل الطبقات المتعاقبة للحضارات السومرية والأكدية والبابلية والآشورية والفارسية والإغريقية والإسلامية والعثمانية. وهي رابع مدينة من حيث المساحة في العراق، والسادسة من حيث عدد السكان.
وبمنطق الزمن والتاريخ، فان التاريخ قد لا يعيد نفسه، ولكنه يتشابه كثيرا (مارك توين)، رغم إن هناك نظريات تتحدث عن التكرار على الماورائيات أو التكرار التاريخي لعقيدة "العَود الأبدي". ومع ذلك فأن قصص التاريخ توحي بتشابه الأحداث والشخصيات مع العصر الحديث. وهكذا تعيد أيران قصص التاريخ بطريقة "التكرار التاريخي" مستمتعة بالدمار والخراب على أصوات الصواريخ، مثلما فعلها الإمبراطور الروماني نيرون الذي جلس على عرشه مستمتعا بمشهد حرق جنوده لروما على وقع عزف الموسيقى.
فبين الماضي والحاضر وفكرة ما إذا كان التاريخ يعيد نفسه بمنطق "قوانين التغطيّة" بما نشهده الآن من هذا العبث الإيراني والعنجهيّة الفارسية لتحطيم سيادة العراق، وتدمير أركان الدولة العراقية وتفقيرها سياسيا واقتصاديا، وجعلها حطاماً من الحديد الصدأ. هو عبث بعقل مصاب بمرض العظمة، وتقمص وجداني لعودة الروح إلى الإمبراطورية الفارسية.
ومهما كانت التبريرات لهذه الصواريخ، فأن أربيل مدينة عراقيّة، لها نوابها وتمثيلها السياسي في الحكم والبرلمان العراقي، مثلما لديها كيانها الفيدرالي المرتبط بالدولة الاتحادية. وضربها بالصواريخ هو انتهاك لسيادة العراق لكنه تحصيل حاصل لضعف السلطة الاتحادية والعملية السياسية ومن يقودها من زعاطيط السياسة ولصوصها. فما جرى لسيادة العراق ليس غريبا لأن الفاعل الأقوى هو إيران بأحزابها وميلشياتها. وما هذه الصواريخ إلا من باب "الميانة" السياسية، والتهديد المبطن للإقليم الذي حاول إخراج العراق من شرنقة أيران، والعودة للقرار العراقي المستقل.
كنت أتمنى من أيران أن تطلق صواريخها على تل أبيب بدلا من أربيل، لأن لديها رجال لا يبعدون سوى أمتار عن حدود "إسرائيل “، إلا إذا تم تغيير سياستها الصوتية، واستراتيجيتها الافتراضية. مثلما كنت أتمنى من سلطة بغداد أن تكون أكثر جرأة في اتخاذ قرار الرد، ولا تكتفي بالبيانات الجاهزة، وزيارات التعزية والرثاء، ولا لجان التحقيق وطلب التوضيحات. فقد قالت إيران علانية بأنها من أطلقت الصواريخ، وعللّت الأسباب بالتفصيل. وأضافت بمنطق التهديد والعجرفة أن "إيران لن تساوم على أمنها ..ولم نستهدف سيادة العراق"؟!
بالمقابل هناك رد قوي من السيد الصدر والسيادة، لكن أحزاب الإطار التنسيقي تعيش غيبوبة سياسية مرتبطة بالولاء لإيران، وزواج متعة موثقة من قبل الحاكم الإيراني. وهناك انتقائية و"طنية " تشتد حرارتها عندما تعبّث بعض دول الجوار من غير إيران لحدودنا، وقتها يصبح الوطن سلعة للمزايدات السياسية، وتتسابق الأحزاب لنيل شرف "الوطنية" نفاقا من أجل ترضية سيد الحاكم الفعلي للعراق، ونيل اوسمه العمالة!
أربيل لن تسقط بتكرار التاريخ، مثل كل المدن العراقية، ولا بموجات المغول، ولا صواريخ هولاكو الجديد، لأن سلاحها التنمية والتسامح والاستقرار. هناك صمت مطبق عند البعض بفعل الأحقاد المتعفنة، وهناك من الوطنيين، وان اختلفوا أو اتفقوا مع الإقليم، ينظرون لهذه الصواريخ بمثابة عار للهمجيّة، وتهديد للوحدة الوطنية وأسسها الإنسانية. هي قتل للوطن بمساحته البشرية والجغرافية من أعالي كُرده لأقاصي البصرة.
لا تحتاج أربيل إلى مفرقعات صوتيّة من السلطة العراقية وأمريكا وجامعة الدول العربية لأن الحدث أكبر، والكارثة السياسية أعمق. فأربيل ليست مكانا للعبث والفوضى، وليست عدوة للآخرين، فهي مسالمة ومتسامحة ومشغولة بتنمية الإقليم وزراعة الياسمين والزيتون والبلوط بدلا من الرصاص والحروب.
التعليقات