فيما تتقدَّم آلة الحرب في أوروبا، ويرتفع صوت القتال حاداً ليصمّ الآذان، لا نملك في ‭ ‬How To Spend It Arabicإلا أن ندعو إلى الحوار بديلاً من لغة الدبابة وقاذفات الصواريخ واللهب. وفيما يبدو الخراب علامة أكيدة على بشاعة العنف وخروجه عن أيّ انتظام، يتضح أيضاً أن الاستسلام لعبثية الحرب ليس قدراً. ووسط الأرقام الصادمة لكلفة الحرب الباهظة، نتذكر أن السلام ليس رفاهية، بل هو ضرورةٌ لبناء الاقتصاد والعمران والثقافة والجمال.

في عددنا لهذا الشهر محاربون من طينة مختلفة. تجمع المصممة عزة فهمي في أعمالها أبرز ما تقدّمه مصر: العراقة والأصالة والرغبة الملحة في التقدم ومواكبة العصر. ولعل تلك سمة أبناء الحضارات الضاربة في القدم، مثل الفراعنة، فهي تتحلى بتواضع لا تحيد عنه. فأنتَ لستَ مطالباً إلا بأن تُظهر معدنك الداخلي، وبأن تدع شغفك يقودك، فسيمضي بك حتماً على طريق النجاح. لعل هذا بالضبط ما كانت تقصده فهمي حين قالت لمراسلتنا التي التقتها في القاهرة: "لا أُخرج من يدي قطعةً لا أحبها حباً خالصاً، وعندما أحبها يحبها الناس، والحب الذي أدسّه فيها يمسّ قلوبهم". أنظر في مشغولاتها فستجدها تعمل بحرفية عالية يتميز بها صائغ في مهمة: رواية التاريخ من منظور فني. هذه الفنانة مشغولة بالتراث ومروياته، تعمل بحماسة منقطعة النظير منذ خمسين عاماً؛ تروي أنها وقعت يوماً على كتاب عن الحلي التقليدية، فبادرت إلى اقتنائه. كان ثمنه بضعة جنيهات، لكن ذاك المبلغ الضئيل كان يعادل نصف مرتبها يومذاك. أمضت سنوات بين ورش خان الخليلي، حيث تتلمذت على أمهر الحرفيين في قلب القاهرة الفاطمية. ومن روح ذلك الحي الذي يعجّ بالآثار الإسلامية، استوحت فكرة مزج الكتابة والثقافة والتاريخ بالحلي.


عزة فهمي مع ابنتيها فاطمة وأمينة

ولم‭ ‬تكتفِ‭ ‬عزة‭ ‬فهمي‭ ‬باستلهام‭ ‬الثقافة‭ ‬العربية،‭ ‬فولّت‭ ‬وجهها‭ ‬ناحية‭ ‬الفنون‭ ‬الأخرى،‭ ‬الأفريقية‭ ‬والمغولية‭ ‬والفرنسية،‭ ‬وفنون‭ ‬الحقبة‭ ‬الفيكتورية.‭ ‬لكن،‭ ‬بالرغم‭ ‬من‭ ‬ولعها‭ ‬بالفن‭ ‬المصري‭ ‬القديم‭ ‬الذي‭ ‬عرفته‭ ‬منذ‭ ‬طفولتها‭ ‬حين‭ ‬كان‭ ‬والدها‭ ‬يصحبُها‭ ‬لزيارة‭ ‬المعابد‭ ‬القريبة‭ ‬من‭ ‬مركز‭ ‬عمله‭ ‬في‭ ‬سوهاج‭ ‬بصعيد‭ ‬مصر،‭ ‬فإنها‭ ‬تأخرت‭ ‬في‭ ‬تصميم‭ ‬مجموعة‭ ‬حلي‭ ‬فرعونية‭ ‬الهوى،‭ ‬لكن‭ ‬النتيجة‭ ‬تبعث‭ ‬على‭ ‬السرور‭.‬

"تظهر‭ ‬الصور‭ ‬الصادمة‭ ‬من‭ ‬أوكرانيا‭ ‬أن‭ ‬الاستسلام‭ ‬لعبثية‭ ‬الحرب‭ ‬ليس‭ ‬قدراً"

يقاسمنا الفنان المغربي حسن حجاج شغفه بالتصوير والموسيقى والكتب، وبألوان التراث المغربي. كان آخر ما قرأه كتاب "ليو الأفريقي" للكاتب اللبناني أمين معلوف، وفيه يروي حامل جائزة غونكور مذكرات حسن الوزان، الرحالة الشاب من القرن السادس عشر، الذي يصحبنا في رحلته من غرناطة إلى فاس ثم إلى القاهرة فروما، كاشفاً عن الكثير من الحقائق التاريخية اللافتة. ويقول حجاج: "أحب كتب معلوف، وبصفتي مغربياً أشعر بارتباط عميق بالأندلس". وعلى قائمة أمنيات حسن حجاج إصلاح جهاز فونوغراف يحمل توقيع Technics SL كي يتمكن من تشغيل أسطوانات الفينيل مجدداً. يقول: "إنه معطل ومركون في غرفة جلوسي بلندن منذ سنوات. اشتريته في الثمانينيات. ويعطيني أصدقاء موسيقيون مثل سمول إكس وخوسيه جيمس وكمال ويليامس أسطوانات، وسيكون رائعاً أن أتمكن من الاستماع إليها مجدداً".

على جبهة العطور، تقاتل آن - ليز كريمونا التي تبذل كل ما في وسعها لتحقيق غرض نبيل: "استعادة روعة العطارة، بإتقانها وتقليدها، وبرؤية جديدة أيضاً، عصرية ومبتكرة". قبل عقد من الزمان، ما كانت دار العطور هذه أكثر من ناد مغلق لعملاء من علية القوم، يتطلب إرضاء أذواقهم الصعبة إصدارات عطرية مركبة ومعقدة.

وبعطرها الأحدث Clic-Clac، لم تُبدع الدار شيئاً فريداً وأداة مصقولة فحسب، إنما أحيت سحراً كنا قد فقدناه. يشكل Clic-Clac رفيقاً يمنح الرجل سمات خصوصية: الأناقة والاتزان واللامبالاة. وحتى عام 2014، كانت دار Maison of Henry Jacques تعمل في الظل، فلا تُنتج سوى مُزُجٍ مخصصة للعملاء بحسب ما يطلبون. ببراعتها وحرفيتها، تابعت آن-ليز مسيرة والدها هنري كريمونا نحو مستقبل زاهر. تقول: "حصل تحول كبير في ثمانينيات القرن العشرين وتسعينياته بفضل العولمة وسلاسل التوزيع، فابتعدنا كثيراً عن إرثنا. بدأ العطر يُعامَل بصفته منتجاً كثيفاً قابلاً للتوزيع على نطاق واسع". اليوم، يحدث أثر معاكس، مع العودة المتزايدة إلى الأصالة.
SamarAbdulMalak@
samar_abdulmalak ‭ ‬

* افتتاحية عدد شهر نيسان/أبريل 2022 من مجلة الرفاهية العصرية How To Spend It Arabic التي تصدرها إيلاف بالاتفاق مع فايننشال تايمز