في إطار حملتها العسكرية الجديدة بعنوان (مخلب القفل) تتقدم القوات التركية نحو إحتلال المزيد من الأراضي العراقية بمناطق الموصل، تحت غطاء ملاحقة قوات حزب العمال الكردستاني المعارض. ونجحت تلك القوات في عملياتها الأخيرة من إحتلال نقطة ستراتيجية هي قمة جبل (كورزارو لينكي) بعد إستبسال قوات العمال الكردستاني في الدفاع عنها، لكن ميزان القوى كان في صالح تركيا خصوصا بعد تلقيها مساعدة لوجستية من بعض الأطراف المحلية التي قامت بدور الدليل المرشد للقوات التركية.

وتطل تلك القمة الإستراتيجية المحتلة على مناطق شاسعة من سهل نينوى لجهة الجنوب، وتوصل المنطقة بالحدود التركية من ناحية الشمال، وهذا يعني بكل بساطة إلحاق المناطق المحتلة بحدود تركيا مما سيسهل عليها إحتلالها بالكامل لاحقا، وهذا يذكرنا بإطماع تركيا القديمة في ضم ولاية الموصل مع إقتراب إنتهاء مفعول معاهدة (لوزان) الموقعة عام 1923. وها نحن نقترب من موعد إنتهاء مدة 100 عام الملزمة على تركيا وفق تلك المعاهدة وسط تصريحات عديدة صدرت في السنوات الأخيرة عن القادة الأتراك والتي تجدد أطماعهم بتلك الولاية.

إن الدعم والرعاية التي تقدمها تركيا للمكون السني في العراق بل وتحكمها بقرار قادته، وكذلك سيطرتها الكاملة على قرار الحزب الديمقراطي الكردستناني بزعامة مسعود البارزاني الذي تعتبر المنطقة المذكورة من ضمن نفوذه العسكري والأمني، لها علاقة بالإطماع التي ترنو تركيا لتحقيقها بضم ولاية الموصل أو على الأقل بسط نفوذها في القسم الأكبر من الولاية، ولا نعدم أن تمتد تلك الأطماع لاحقا الى مناطق كركوك الغنية بالنفط التي تعتبر تاريخيا ضمن تلك الولاية. وما يشجع تركيا على المضي بمخططها الرامي الى ضم الولاية هو ضعف الحكومات العراقية الحالية وصمتها عن كل تلك التجاوزات المشينة لسيادتها.

تستند الحكومة التركية على إتفاق سابق وقعته مع النظام الصدامي يسمح بدخول قوات الجانبين لأراضي بعضهما البعض والذي وقع عام 1984 ويسمح لقوات كلا الطرفين بالتوغل في أراضي الآخر بمسافة خمسة كيلومترات فقط مع التأكيد على أن تكون التوغلات بموافقة الطرفين ولمدة لا تتجاوز ثلاثة أيام، ولكن منذ ذلك التاريخ لم تكن لأية قوة عسكرية عراقية معارضة للنظام العراقي أي تواجد داخل الأراضي التركية، وبناءا عليه لم تقم القوات العراقية قط بالتوغل داخل الأراضي التركية، وهذا يعني أن المستفيد الوحيد من الإتفاق المذكور كان الجانب التركي فقط ، ولذلك توغلت القوات التركية عشرات المرات داخل الأراضي العراقية بحجة ملاحقة قوات حزب العمال الكردستاني، بل أنها تجاوزت الحدود المرسومة لها بالإتفاق المذكور حيث أقامت في السنوات الأخيرة عشرات المراكز العسكرية داخل الأراضي العراقية بعيدة عن حدودها الدولية، منها على سبيل المثال معسكر كبير في بعشيقة القريبة من مركز مدينة الموصل. بل أن لها نقاط عسكرية تتجاوز 30 مركزا في أنحاء متفرقة من أراضي إقليم كردستان، وكل ذلك يجري تحت غطاء الإتفاق الأمني الموقع مع النظام السابق وبموافقة واضحة من قوات حزب البارزاني.

لقد سبق أن توعد الرئيس رجب طيب أردوغان دول أوروبا والعالم "بأنه بحلول عام 2023 ستولد دولة تركيا من جديد"!. وهذا تهديد يؤكد الأطماع التركية في أراضي العراق، حيث بحلول العام المقبل ستنتهي مدة 100 عام التي إلتزمت بها تركيا وفقا لمعاهدة لوزان، لذلك نرى أن الجهود الحثيثة لتركيا بتثبيت أقدامها داخل الأراضي العراقية تؤكد تلك الأطماع التاريخية بولاية الموصل.

كنت قد كتبت مقالا سابقا قبل أكثر من عام حول هذه الأطماع، والتحركات التركية السريعة وسلسلة الهجمات العسكرية التي شهدتها المنطقة خلال السنوات الأخيرة تؤكد من دون شك بأن تركيا عازمة فعلا بضم أراضي جديدة الى حدودها، وأن أردوغان صادق فيما يقوله بأن عام 2023 سيشهد ولادة تركيا جديدة.

الكل يعرف بأن مقاتلي حزب العمال الكردستاني يتواجدون في معقلهم الرئيسي بجبل قنديل، فإذا أرادت تركيا فعلا أن تهاجمهم فلديها الطائرات والمروحيات والدرونات ما يساعدها على ذلك، فما حاجتها إذن الى نشر قواتها في مناطق قريبة من الموصل وهي بمعظمها خاضعة لسيطرة القوات العراقية أو قوات البيشمركة الكردية وليس فيها أي تواجد لمقاتلي العمال الكردستاني؟. ثم كيف يسمح القانون الدولي أن تشن الطائرات التركية هجماتها على مناطق تابعة لمدينة السليمانية بحجة مطاردة مقاتلي الكردستاني؟.

لقد كان معارضو نظام صدام مجتمعين برمتهم خلال ثلاثين سنة داخل الأراضي السورية أو يتركزون داخل الحدود الإيرانية، لكننا لم نسمع يوما أن أغارت الطائرات العراقية على مقرات تلك الأحزاب المعارضة، فبأي حق تهاجم الطائرات التركية جميع مناطق كردستان والعراق من دون أي وازع أو مانع بحجة مطاردة أعضاء الحزب الكردستاني؟.

بالتأكيد نستخلص من هذا التحليل أن الهدف الرئيسي لتركيا ليس هو إنهاء أو القضاء على حزب العمال الكردستاني المتواجدين أصلا في جبال قنديل، بقدر ماهو السعي لإحتلال أراضي عراقية وضم ولاية الموصل اليها لبناء تركيا جديدة!!.

الغريب أن بعض القادة العراقيين الذي يتولون السلطة حاليا في إقليم كردستان وأجزاء من العراق، يرتضون لأنفسهم بأن يكونوا أذلاء خانعين للنظام التركي الذي لو تحقق له ما يريد فسوف لن يحظوا بشيء سوى تعيينهم مجرد ولاة أو محافظين تابعين لتركيا بعد ضم أراضيهم الوطنية اليها؟؟!!. عجبي من هؤلاء القادة الذين يبخسون أنفسهم من أجل إرضاء الباب العالي والسلطان أردوغان !!..