في مقالي السابق عن اليمن بعنوان (هدنة الأمم المتحدة في اليمن الأهداف والمآلات) أوضحت فيه بعض ملامح هذه الهدنة التي جاءت فجأة من المندوب الأممي هانس غروندبيرغ أثناء مشاورات الرياض وقلت إنها ضمن فزاعات الأمم المتحدة لمليشيا الحوثي الإنقلابية لإنها لم ولن تلتزم بأي هدنة سابقة أو لاحقة وختمت مقالي بالتساؤل عما ستسفر عنه هذه المشاورات من مخرجات ومآل هذه الهدنة الأممية.

أستكمل في مقالي هذا الإجابة عن التساؤل السابق فهذه المشاورات قد انتهت وتمخض عنها تنازل الرئيس اليمني السابق عبد ربه منصور هادي عن صلاحياته وإعفاء نائبه علي محسن الأحمر وتشكيل مجلس رئاسي مكون من ثمانية أعضاء لإستلام السلطة الشرعية بشكل مؤقت حتى يتم التفاوض مع الحوثي لإنهاء الإنقسام أو اللجوء للخيار العسكري إذا لزم الأمر ثم الدعوة لانتخابات رئاسية وبرلمانية.

أعتقد أنها خطوة إيجابية وإن كانت متأخرة لكن يحسب للرئيس هادي أنه غلّب مصلحة اليمن وتنازل عن السلطة بعد أن كثر الحديث والنقد عن ضعف الشرعية وعجزها عن بلورة مشروع يمني وطني لجمع شمل اليمنيين بمختلف فئاتهم تحت جبهة موحدة لمجابهة العدو المشترك الذي يتربص بالجميع مما نتج عنه إطالة أمد الأزمة ومعاناة الشعب اليمني وأعطى الحوثي فرصة للتوسيع والإستقواء وتهديد المحافظات المحررة في ظل رفضه الدائم لمبادرات السلام والحلول المطروحة من دول التحالف أو المجتمع الدولي.

لذا كانت هذه الدعوة المسؤولة الأخوية من دول مجلس التعاون الخليجي لعقد مشاورات مفتوحة دون شروط أو حدود لسقف الحوار والنقاش حيث إلتئم ما يزيد عن 1000 من مكونات اليمن في الداخل والخارج لمدة ثمانية أيام في ظروف مناسبة هيأتها دولة المقر لمجلس التعاون الخليجي المملكة العربية السعودية تمكن خلالها المتشاورون من بلورة الكثير من الحلول والمبادرات.

فكان هذا المجلس الرئاسي الذي يمثل اليمن سياسياً وجغرافياً وديموغرافياً وعسكرياً بتوافق الجميع دون إعتراض أي مكون أو إقصاء أي مذهب أو طائفة أو حزب أو كيان بل الجميع كان مشاركاً في الحوار اليمني اليمني.

إنتقل المجلس الرئاسي إلى العاصمة المؤقتة عدن وبدأ ممارسة مهامه بأداء اليمين الدستورية أمام البرلمان اليمني الذي سبقه للحضور والإنعقاد وبدأ المجلس في إصدار عدد من القرارات التنظيمية التي يأملها المواطن اليمني لتحسين أوضاعه المعيشية.

أعتقد أن أمام هذا المجلس عدد من نقاط القوة والضعف التي سيواجهها في مسيرته القادمة أوجز بعضها في نقاط.

نقاط القوة:

1 – الدعم الشعبي اليمني لهذا المجلس من جميع مكونات الشعب اليمني.

2- الدعم الأممي من خلال إعتراف المجتمع الدولي بهذا المجلس.

3– الدعم الخليجي ودول التحالف العربي سياسياً واقتصادياً والذي بدأ فعلاً بتقديم ثلاثة مليار دولار لدعم الخزينة اليمنية.

4 – الدعم العربي والإسلامي من قبل جامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي.

5 – المسئولية الإجتماعية والوطنية والأخلاقية تجاه الشعب اليمني لرفع المعاناة التي طال أمدها.

6 – وجود المهدد الحوثي الذي يتربص بكل اليمن دون إستثناء في ظل المشروع الإيراني لإحتلال اليمن ومحو هويته العربية.

7 – زوال المناكفات والإنقسامات التي طالما إستغلها الحوثي لتحقيق إنتصاراته حيث إنصهر الداخل اليمني في مجلس يمثل الجميع .

8 – في تاريخ اليمن من يملك السلطة يملك المال لذا كانت النزاعات على السلطة دائمة ومستمرة وبالتالي كانت تشكيلة المجلس تعطي السلطة للجميع فهنا سيكون الإقتصاد والمال والتنمية للجميع .

نقاط الضعف:

1 – سيعمل الحوثي على دق أسافين لإنقسام المجلس وسيفتعل حوادث أمنية في عدن والمحافظات الجنوبية لإفشال المجلس.

2 – وجود بعض المستفيدين من الحرب من تجار السلاح والمهربين ممن لا يصب الإتفاق في مصلحتهم.

3 – لازال هناك بعض الولاءات للخارج من خلال إستقطابات مذهبية أو مالية أو فكرية تدار من خارج اليمن ولها أجندات معروفة.

4 – بروز عقبات أو معوقات في عمل المجلس من حيث التعيينات أو القرارات المتعلقة بتوحيد الجيش وقياداته وقوى الأمن الداخلي ومحافظي المناطق مما قد يثير بعض الخلافات الداخلية.

5 – رغم أن البعد القبلي حاضراً في تشكيلة المجلس إلا أنه قد تنشأ بعض الخلافات من القبائل التي تعودت خلال مسيرة اليمن أن تكون شريكاً في الحكم وترسخ ذلك في عهد علي صالح.

6 – رغم أن البعد العسكري حاضراً في تشكيلة المجلس إلا أنه ربما نشأت بعض الخلافات عند الرغبة في إعادة تموضع وتحريك الألوية المتمركزة في بعض المحافظات الجنوبية الذين طالما طالبوا بتحريكها نحو الجبهات الشمالية وإسناد أمن المحافظات الجنوبية لقوات هذه المناطق.

هذه بعض من نقاط القوة والضعف التي ستواجه المجلس الرئاسي الذي أعتقد أن أمامه فرصة تاريخية لبلورة مشروع وطني يمني لإستعادة الدولة اليمنية وإحباط المشروع الإيراني في اليمن من خلال تبني مشروع مُزَمّن للتفاوض مع مليشيا الحوثي على الإنخراط في العمل السياسي وتسليم السلاح وإخلاء المواقع التي إحتلتها وتختار الشراكة في الحكم بدل الإستيلاء عليه.

وفي حال رفضت التفاوض فأعتقد أن الخيار العسكري الموحد هو الحل النهائي لذا أعتقد أن على المجلس البدء في بناء جيش موحد ودمج الوحدات العسكرية تحت قيادة موحدة لوزير الدفاع واختيار قيادات عسكرية ميدانية غير ولائية أو مستقطبة لجهات خارجية حتى يمكن كسر مليشيا الحوثي عسكرياً عندها يمكن لهذه العصابة أن تذعن وتنخرط في عملية السلام مع الأخذ في الإعتبار أن الأمم المتحدة التي تسيرها أمريكا وبريطانيا لهما أجندات في اليمن وهي بقاء الحوثي وبقاء دور إيران لأهداف معروفة إتضحت من التدخل لإنقاذ الحوثي في مفاوضات استكهولم التي انقلبت عليها هذه العصابة دون حراك من الأمم المتحدة وكذلك إنقلابها على هدنة هانس غورندبرغ حيث بدأت الإنتهاكات من الأسبوع الأول للهدنة.

أعتقد أن على هذا المجلس أن يصم أذنيه عن أي دعوات للحوار أو السلام إذا رفضت هذه المليشيا التفاوض المباشر مع المجلس وأن يصم أذنيه عن دعوات ما يسمى المنظمات الحقوقية التي أتضح أنها مسيسة وأنها شريك للحوثي في الصراع والتربح من المساعدات الدولية وأنها مخترقة من جهات موالية لإيران وهذا ما يفسر تقاريرها المغلوطة عن مجريات الحرب في اليمن حيث لا تصور كاميراتها إلا ما ترغب لإدانة التحالف العربي دون النظر إلى ما تفعله مليشيا الحوثي من فظائع في حق الشعب اليمني و أن يعلن التعبئة العامة لكسر هذه الميليشيا عسكرياً لإستعادة الدولة ودحر الإنقلاب وفق القرار الأممي 2216.

أخيراً.
مسئولية المجلس الرئاسي تاريخيه ولن يغفر الشعب اليمني لهذا المجلس إن لم يحقق ما أقسموا عليه من الحفاظ على أمن وسلامة ووحدة اليمن ضد كل من يتربص به فلننتظر ما ستسفر عنه الأيام القادمة من قرارات ومشاريع ورؤى سنعرضها على صفحات جريدتنا الغراء إيلاف.

د. أحمد بن حسن الشهري

رئيس منتدى الخبرة السعودي

الكاتب والباحث في العلاقات الدولية