لو سألت أي عراقي هل هو متفائل أم متشائم حيال ما يدور أمامه من مسخرة سياسية وانسداد سياسي الذي وصل إلى حدود العهر السياسي الذي تمارسه الطبقة السياسية الحاكمة في العراق منذ العام 2003 فالجواب هو لا يوجد متفائل ولا متشائم بل الجميع متشائل أو لا مبالي وغير مهتم بما يدور من صراعات ومناورات فالشعب يشعر إنه مغيب ومستغل ومحتقر من قبل طبقة سياسية فاسدة وفاشلة بل ومدمرة للوطن وللمواطنة لذلك فإن الشعب لا تهمه هذه المهاترات السياسية بين الأحزاب والكتل المتصارعة على السلطة فهم في وادي والشعب في وادي آخر.

هناك جهة تابعة للسلطة القضائية وهي المحكمة الاتحادية التي تسيست وصارت نقطة انطلاق لعملية الانسداد السياسي بسبب تفسيرها واجتهادها المنحاز سياسياً، لبعض بنود الدستور وتأويلها بما يناسب مجموعة الإطار التنسيقي وذلك بفرض لزوم حضور ثلثي أعضاء البرلمان لتوفير النصاب القانوني لمجلس النواب لكي يجتمع من أجل انتخاب رئيس الجمهورية الذي هو العقدة السياسية الأصعب لاختيار وتكليف رئيس مجلس الوزراء القادم ما يعني منح الطرف الخاسر في الانتخابات الأخيرة في2021 فرصة لكي يشكل ما صار يعرف بالثلث المعطل غير الموجود في الدستور، والمستورد من التجربة اللبنانية سيئة الصيت، لكي يعطل العملية السياسية ويخطف حقوق الشعب الدستورية في أن يختار من يحكمه بصورة شرعية وفق الأصول الديموقراطية.
ومن المعروف إن من شارك في الانتخابات الأخيرة واختار من يتواجد اليوم داخل مجلس النواب لا يتعدى نسبة الــ 20 بالمائة في حين قاطعها 80 بالمائة من مجموع السكان ولقد أفرزت هذه الانتخابات عن قطبين متمترسين خلف مصالحهما وامتيازاتهما المالية والمادية والسلطوية وبحماية ميليشيات مدججة بالسلاح وأقوى من الدولة ومؤسساتها الأمنية والعسكرية بل تمكنا كذلك من اختراق هذه المؤسسات الأمنية الحكومية لمصادرة ولاءاتها وجعلها تابعة لتلك الفئات السياسية من خلال ضباط وعناصر الدمج في تلك المؤسسات العسكرية والأمنية. القطب الأول هو جماعة الإطار التنسيقي الذي يضم جهات سياسية وميليشياوية حكمت وما تزال تحكم العراق منذ سنة 2003، وأوصلته إلى ماهو عليه من انهيار وتدهور وتقهقر وتآكل في مرافق الحياة كافة وبالذات في البنية التحتية والخدمات والتعليم والتربية والأمن المجتمعي، وعلى رأس هذه القوى السياسية المنضوية تحت راية الإطار التنسيقي حزب الدعوة ودولة القانون بزعامة نوري المالكي والحكمة بقيادة عمار الحكيم والنصر بقيادة حيدر العبادي المنشق من الدعوة وكتلة فالح الفياض وموقعه على رأس قوات الحشد الشعبي ومنظمة بدر العسكرية وواجهتها السياسية تحالف فتح وحركة حقوق الواجهة السياسية لميليشيات عصائب أهل الحق وغيرها من الأسماء والواجهات التي تغطي فصائل مسلحة خطيرة مثل حزب الله والنجباء وغيرها، وفي الجانب الآخر التيار الصدري وتنظيماته الميليشياوية المسلحة كجيش المهدي وسرايا السلام واللواء الموعود، وهما قطبين متخاصمين داخل المكون الشيعي لكل منهما رؤية سياسية مناقضة للآخر.
وبالمقابل هناك نفس الاستقطابات والصراعات العشائرية والسياسية داخل المكون السني التي تنذر بخطر مواجهات عسكرية على النفوذ بين السيادة بزعامة محمد الحلبوس وخميس الخنجر وعزم وجماعات أخرى متربصة، بما فيها قيادات سنية منفية كعلي حاتم سليمان والعيساوي والهاشمي إلى جانب السامرائي والمشهداني، وكلها شخصيات منبوذة وفاشلة ومجربة وفاسدة تعمل على خطف القيادة السنية من الحلبوسي وكذلك داخل المكون الكردي المنقسم بين الحزب الديموقراطي الكردستاني وهو التنظيم الأكبر والأقوى والفائز في الانتخابات الأخيرة والاتحاد الوطني الكردستاني الخاسر في الانتخابات والمتمسك بمنصب رئاسة الجمهورية مهما كان الثمن حتى لو كان على حساب المصالح الكوردستانية الحيوية لذلك اصطف إلى جانب قوى الإطار التنسيقي لمنع أو عرقلة تشكيل حكومة الأغلبية الوطنية وإلى جانبه وغوران أو التغيير والجيل الجديد والإسلاميين وباقي التشكيلات السياسية الكردية الصغيرة المعارضة أو المنشقة عن الحزبين الكبيرين وكل هذه الطبقة السياسية محكومة بتدخلات أجنبية إقليمية ودولية تتحكم في الشأن الداخلي العراقي وتنتهك سيادة العراق واستقلاله وعلى ٍرأسها إيران والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ودول الخليج بل وحتى مصر والأردن. فكيف السبيل للخروج من هذه الشرنقة السياسية القميئة؟ إما بتمديد عمل حكومة تصريف الأعمال وحل البرلمان والتهيئة لانتخابات جديدة أو الإبقاء على الوضع كما هو عليه حاله اليوم مع تزايد نقمة الجماهير وتصاعد وتيرة الاحتجاجات التي تنبيء بثورة عارمة أقوى من انتفاضة تشرين 2019 أو تدخل المرجعية وحث المحكمة الاتحادية على إيجاد تخريجة تلتف فيها على عقبة الثلثين والثلث المعطل وتسمح بالمضي بالعملية السياسية أي اختيار رئيس جمهورية الذي يقوم بدوره بتسمية رئيس حكومة يختاره التيار الصدري ومنح التحالف الثلاثي ،تحالف إنقاذ وطن، فرصة للحكم أربع سنوات لتحمل المسؤولية عله يتمكن من إحداث بعض التغيير ولو بنسبة 20 بالمائة في مجال توفير الخدمات ومحاربة الفساد ونزع سلاح االميليشيات الخارجة على القانون والسيطرة على السلاح المنفلت وحصره بيد الدولة ومحاكمة قتلة المتظاهرين .
لأنه بدون ذلك فالحرب الأهلية على الأبواب وستكون شيعية شيعية وسنية سنية وكوردية كوردية وهذا ما لا ترغب به المجموعة الدولية في ظل الأزمة الاقتصادية الخانقة وحرب أوكرانيا وتهديدات الغرب لروسيا والصين ومخاطر اندلاع حرب باردة قد تتحول في أي لحظة إلى حرب شديدة السخونة تؤدي إلى انفجار عظيم يبيد الكوكب برمته بسلاح البشرية النووي الفتاك.