لعقود طويلة ومن بعد الحربين العالميتين عاشت أوروبا مرحلة من التقدم الاقتصادي والتطور التقني والرفاه المعيشي نتيجة الثورات الصناعية والتقنية وما جلبت من إستثمارات وصنعت من شركات ومصانع ورساميل عملاقة إضافة إلى شرايين الإستثمار من الشرق الأوسط وأفريقيا التي تدر ذهباً على هذه الإقتصادات، وهكذا أصبحت أوروبا مطمحاً لمن يريد السياحة أو الإستقرار المعيشي أو الوظيفي وظلت البوصلة تتجه إلى الغرب حتى يومنا هذا! وعندما إجتاحت جائحة كورونا العالم كان هذا أول اختبار حقيقي لقوة الاقتصادات الغربية وأنظمتها الصحية والسياسية والتي لم تستطيع الصمود أمام تداعيات هذا الوباء فرأينا هذه الأنظمة تنهار أمام الإغلاقات وتوقف تدفق السلع والبضائع ورأينا الأرفف في المتاجر خاوية وخالية عكس كثير من دول العالم الثالث كما يصفه الغرب ذات الأنظمة السياسية القوية سريعة اتخاذ وتنفيذ القرار!

ولم تكد تخرج القارة العجوز من إختبار كوفيد 19 التي لم تنجح في مكافحته حتى جاء الإختبار الثاني الصعب والشائك وهو الحرب الروسية الأوكرانية حيث وجدت هذه القارة نفسها في وسط غبار هذه الحرب!

أوكرانيا لو رزقت بحاكم مدرك ومتمرس في السياسة ويجيد قراءة التاريخ وإستحضار الأحداث لكان جنّب بلاده الدمار والتشرد.

لكن للأسف إعتقد الرئيس الأوكراني زيلينسكي أن مسرح الحرب لا يختلف عن مسرح التمثيل فجرّ بلاده وشعبه للخراب!

وكان للغرب عامة امريكا + أوروبا دوراً بارزاً في استغفال هذا الرئيس وجعله يلعب دور البطل الذي من خلاله تحاول أمريكا وبعض دول أوروبا أن تُنازل الدب الروسي على الأراضي الأوكرانية وبدأ الغرب في فتح خزائنه ومخازنه والزج بها على الأراضي الأوكرانية في حرب لا تخدم أحد ولم ينجو أحد من تداعيتها و أثارها حتى الدول التي دعمتها وسعت لإشعالها إرتدت عليها شظايا وسهام الحرب لتكتشف المغامرة الخطيرة التي جرت العالم إليها!.

أمريكا في سعيها لتكريس سياسة الهيمنة والقطبية الأحادية تموّل حرب إستنزاف للجيش والإقتصاد الروسي وأقنعت بل جرت أوروبا لنفس الموقف الأمريكي الذي أكتشف معه مؤخراً أنها كانت مجرد ألعوبة في يد سياسة أمريكية فاشلة لعبها اليسار الأمريكي وتلقفها اليسار الاوربي الضعيف خاصة فرنسا وبريطانيا و المانيا بعد إزاحة ميركل!

تم حصار روسيا أرضاً وبحراً وجواً وإعلاماً وأقتصاداً وعملة وفناً حتى القطط الروسية والرياضيين الروس والفنانين والممتلكات والأصول الروسية تم زج بها بين حصار ومصادرة في أكبر سقوط مروع للشعارات الغربية الزائفة عن الديموقراطية واحترام حرية الإعلام والرأي الأخر والنأي بالإقتصاد والشعوب عن هذه الحرب القذرة كما كانت دوماً ترفع هذه الشعارات!

للأسف أنكشف الوجه القبيح للديموقراطيات الغربية الزائفة والتي ليست إلإ مجرد بضاعة للتصدير والهيمنة على الشعوب والدول، أما في الداخل الغربي فإستبداد ومصادرة وكتم للأنفاس!!

الرأي وبعد أن تم قطع الغاز والنفط الروسي هل سيستطيع المواطن الأوروبي مواجهة برد الشتاء وهل ستستمر الحكومات في دعم الوقود والغذاء؟.

إن أوروبا مقبلة لا محالة على وصلة عصيبة من التضخم والبطالة والغلاء ونقص الوقود بسبب الإرتماء في حضن القرارات الأمريكية المهلكة.

فماذا ستجني أوروبا بإنضمام أوكرانيا أو فنلندا أو السويد للإتحاد الأوروبي؟ إذا كان مجرد قفل أنبوب النفط والغاز الروسي سيشل الإقتصاد الغربي؟ في تاريخ أمريكا لم يصل جالون البنزين الى 7 دولار ولم يصل سعر اليورو مقابل الدولار الى هذا الحد منذ 20 عام ولم يعاني الإقتصاد الألماني والبريطاني والفرنسي من الركود والتضخم كما يحدث اليوم.

إن المحاولات الغربية لإيجاد البدائل من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لن تجدي ولن تكفي فما كان يصدر من كميات ضخمة من النفط والغاز الروسي لا يمكن تعويضه بسهولة ولذا نجد الهرولة والاستجداء الغربي لدول الخليج لمحاولة رفع كمية إنتاج النفط لتعويض النقص وعبثاً يحاولون لأن دول الخليج لن تقبل بتسييس سلعة النفط العالمية لأجل إرضاء أمريكا أو أوروبا والخروج على مقررات أوبك بلس التي تشمل دول أوبيك وروسيا وفق سياسة تراعي حاجة السوق والمستهلكين والمنتجين، بدأت تتعالى أصوات مسؤولي الإقتصاد والنفط والتجارة في دول أوروبا ينذرون بقدوم مرحلة صعبة قد لا تستطيع هذه الدول الإستمرار في مقاومة ما سيحل بهذا الإقتصادات من تضخم وغلاء مما ينذر بردود فعل شعبية غاضبة على سياسة هذه الدول التي لم تأخذ مصلحة شعوبها في الحسبان قبل أن تنجر في تحالف مع أمريكا لتشجيع رئيس أوكرانيا لمناكفة جاره الروسي واستعدائه لخوض حرب كان يمكن تجنبها بكل سهوله ولذا فإن القادم على العالم كله بإستمرار الحرب والتغذية الغربية المستمرة لها سينجم عنه الكثير من التداعيات الإقصادية والمعيشية وسيبدأ التأثر على الدول الأكثر فقراً ثم سيستمر التأثر على جميع دول العالم وإن كان بنسب متفاوتة.

وستكون أوروبا الأشد تأثراً لإعتمادها على النفط والغاز الروسي عبر خطوط النفط والغاز الممتدة من روسيا إلى أوروبا وإغلاق هذه الخطوط بالتأكيد سيصيب الإقتصادات الغربية بالشلل الذي سيصل إلى معيشة المواطن مما يجعلنا كمراقبين نتساءل.. هل ستجوع أوربا؟