بات يُعتقد أن السيناريو الأقرب للمشهد السياسي في العراق المجهول المدى الذي بدأ يفرض واقعاً ضبابياً وقاتماً للعملية السياسية هو أن يذهب الجميع إلى حلّ البرلمان وتحديد موعد جديد لإنتخابات مبكرة قد تُعيد للشارع العراقي بعض التهدئة وتُخفّف من حِدّة الإحتقان السياسي الذي بات يلوح في الأفق مُهدّداً بِصراع قد يتحوّل إلى حرب أهلية خصوصاً بعد إنسحاب مقتدى الصدر الفائز الأول بالإنتخابات من المشاركة في التشكيلة الحكومية القادمة.
الجدل الواسع الذي أثارته تسريبات صوتية منسوبة لرئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي بإتهامات لأطراف في العملية السياسية من ضمنها زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وبعض القادة السُنة والكُرد مثل محمد الحلبوسي رئيس البرلمان العراقي ومسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني يؤكد أن العراق دخل في مُنزلق ومُنعطف خطير قد يُعجّل بهدم المعبد على رؤوس كهنته، خصوصاً وإن تلك التسريبات التي نشرها مواطن عراقي مقيم في أمريكا يُدعى علي فاضل يؤكد أن هذه التسريبات لن تشمل المالكي فقط وإنما هناك شخصيات وزعامات من مختلف شرائح المنظومة السياسية مُتّهمة بالفساد والقتل وضياع المال العام قد تُتاح لتسريبات لاحقة كشفهم للرأي العام وهو ما يؤكد أن التسريبات الجديدة ستشمل سلسلة من ساسة العراق متورطين بصفقات فساد وجرائم مختلفة إضافة إلى المالكي، لكن السؤال الذي تُثيره هذه التسريبات هو كيف حصل هذا العراقي المقيم في أمريكا على كل تلك المعلومات علماً أن عمله السابق لم يتعدى كونه عمل مترجماً للقوات الأمريكية التي كانت متواجدة في العراق وغادر مع بعض تلك القوات التي تركت العراق؟ ولماذا أُثيرت كل هذه الضجة الإعلامية والسياسية لهذه التسريبات علماً أن السلطات العراقية إعتقلت قبل فترة شخصية مُثيرة للجدل تُدعى (جوجو) المتحوّل جنسياً عبر إستدراجها إلى العراق متّهمة بإبتزاز شخصيات وقيادات بارزة في الدولة عبر شبكة سمسرة للنساء؟ حينها ضجّت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الإجتماعي بحجم الصدمة التي أحدثها ذلك الإعتقال بإمتلاك هذه الشخصية معلومات وملفات حساسة وخطيرة تُهدد أمن الدولة وتُنذر بكشف المستور عن الكثير من الأسماء والجهات البارزة، ورغم ذلك لم تُحدث تلك الهزة ذلك التأثير الإرتدادي الذي أحدثه تسريبات هذا المواطن.
ربما سيأتي الجواب سريعاً أن هناك مخابرات دولية أو إقليمية متواطئة في هذا التسريب قامت بإفتعاله بالتزامن مع إتفاق أو تعاون أطراف داخلية في العملية السياسية وقد تُتيح هذه التسريبات بفتح ملفات خطيرة حدثت في عهد ولاية المالكي الثانية منها كيفية سقوط مدينة الموصل بأيدي داعش وجريمة سبايكر التي راح ضحيتها أكثر من 1700 مواطن عراقي، لكن المؤكد أن التسريبات الصوتية زادت من تعقيد تشكيل الحكومة القادمة أكثر وأكثر جعلت الإطار التنسيقي الساعي لتشكيل هذه الحكومة يُصاب بحالة من التصدّع والإنشقاقات غير المُعلنة فيما بينه، خصوصاً عندما شملت تلك التسريبات بعض قادة الحشد أنفسهم وهو مايدعو للقول أن تشكيل الحكومة قد يتأخر إلى إشعار آخر قد يؤدي بالنتيجة للإتفاق على التمديد لحكومة مصطفى الكاظمي عام أو عامين مع إجراء بعض التغييرات الوزارية لذّر الرماد في عيون من يرفض التجديد لشخصية الكاظمي.
بالمحصلة كل السيناريوهات المُحتملة وغير المتوقعة تحمل عناوين مُبهمة يصعب ان تجد من يُفسّرها أو يجد توضيحاً لها، لكنها نهايات لمشاهد حالكة ومعتمة وخواتيم سياسية لنظام سياسي قد يحكم على نفسه بِلملمة أوراقه والرحيل غير مأسوف عليه، حيث لم يَعُد ذلك سوى مسألة وقت لإعلان ساعة الصفر لذلك الرحيل.
التعليقات