منذ ان تغيّر النظام البعثي الدكتاتوري في ابريل من عام /2003 بفعل ضربات الغزو الاميركي ومن التفّ حوله من الحلفاء والأتباع؛ بدأ المتفيهقون في السياسة إرساء دعائم هشة لإعلاء سقف العراق الذي أطيح به على رؤوسنا حيث لا دولة ولا جيش ولا شرطة ولا قيادٌ آمن فكان البديل الأعمى غير المدروس هو التشبث بالطائفية نظاما للحكم واعتماد المحاصصة لهذا المكوّن الديني او القومي والذي ما زال سائدا حتى الوقت الحاضر وتقطيع أوصال البلاد وتمزيق النسيج الوطني والعمل على خرقه وتمزيقه مثل وليمة تكالب عليها أتباع ذي البطنة والنهم في تاريخنا المدعوّ "اشعب" بذريعة ان مكونات المجتمع العراقي تفرض عليهم اتخاذ هذا المنهج الغثّ سبيلا الى الخلاص وما أشدّ رخاوة هذا القياد الذي ابتلينا به بسبب افتقار ساستنا الى الحنكة السياسية وقلّة خبراتهم وضعف مرانهم في ادارة دولة عريقة مثل العراق بتنوّعه العرقي والطائفي وتعدّد أقلياته التي كانت متآخية متحابّة متجاورة أفضل كثيراً مما عليه اليوم، دون ان ننسى مراميهم الطامعة في ثروات مبعثرة غير محروسة، ومما زاد في الطين بلّة؛ ظهور مجلس الحكم الذي منح لكلّ مكوّن شهراً ليذوق السلطة وليتعلّم ساستنا الجدد كيف يديرون دفّة البلاد في ظاهرة غريبة وأسلوب لم تعهدْه دول العالم لا المتخلّفة ولا المتحضّرة وهذه الافكار التجريبية التي ابتكرها السيد الرأس / المستر بريمر في محاولة منه لإبراز الشخوص الطائفية والتي ظلّت لصيقة بنا حتى يومنا هذا.

والان وبعد مرور حوالي تسع عشرة سنة عجفاء؛ ما زالت يد الطائفي تمتدّ الى وليمة العراق الدسمة وتستحوذ على أجمل وأرقى أحيائه ومواقعه السكنية غير آبهة لعيون الشعب الرقيبة التي تراه يحوز على كل ما لذّ وطاب من عقار ومرتّب خرافي وطعام وشراب متميّز ونزهة وسياحة بين حين وآخر خارج البلاد وإيصال المقسوم الى عياله المقيمة خارج هذا الوطن بعد ان يضيف الى رصيده القابع في مصارف أوربا وأمريكا والخليج وغيرها مما تمّ استحواذه من مال وفير نتيجة السحت الحرام من خيرات البلاد حيث لم يبق للأغلبية المسحوقة سوى الفتات والبقايا الضئيلة التي تركتها هذه الأيادي الطامعة المفرطة الشراهة.

وجرياً على عادة شعبنا العراقيّ الطيّب نقول بلهجتنا المحليّة في أعرافنا السائدة "عوافي" اذا رأينا احدا هللتْ له الدنيا وأنعمت عليه بخيراتها ونسعد لسعده ونفرح بغناه فهو منّا والينا وما يصيبه يصيبنا لأننا ندري ان السعة والثروة ورغد العيش ما هي إلاّ نتيجة جهده ومثابرته وكفاحه الذي سبّب له هذا النعيم والرفاه.

لكنّ مثل هؤلاء الذين لعبوا بحبال الطائفية وصنعوا النزاعات والمكاره لإلهاء الناس وإشغالهم بالقذارات وحالفهم الحظ العاثر بغفلة من الزمن الأعمى واغتنوا من المال الحرام وركبوا الموجة واقتنصوا الفرص دون اية كفاءة سياسية او فكرية سوى الرقص في حلبة السياسة كبهلوان لا تهمّه ضحكات الجماهير عليه والسخرية المرّة التي ترمي بسهامها نحوه فلا أظنه يستحق "العوافي" منّا ما دام قد روّج لاعتبار الطائفية منهج عمل له واستعملَ الرموز الدينية مستغلا سذاجة الكثير من ابناء شعبنا البسطاء وخداعهم بالجنّة الموعودة فيما لو انتخب ممثل هذه الطائفة ووصل الامر حدّ تجريم وتكفير الاخرين اذا لم يفز هو وأتباعه مرْضى الطائفية وكأنه ظلّ الله في الارض يمارس التهديد والوعيد بحقّ رعيّته الفقراء السذّج المتعبين المكدودين أو المفوّض السامي للسماء.

والان بعد مرور تلك السنوات العجاف فنحن على يقين ان شعبنا قد اتعظ وتعلّم الدرس جيدا وما عادت تنطلي عليه تضليلات مثل هؤلاء الذين قبروا أحلام أهليهم ونسوا تطلعات المسحوقين من ابناء جلدتهم فان "العوافي" الحقيقية النابعة من القلب ستكون حتما لمن يصدق في قوله وفعله من ممثلي الشعب الحقيقيين وليس سراب الجراد الذي عمّت ربوع العراق وأكلت الاخضر واليانع ولم يسلم من النهم حتى اليابس الصلب.

الان بدأت العيون تتفتح وبان الخيط الابيض الذي سيرتّق ثقوب الطائفية والاصطفاف العرقي المقيت ويحيك لنا ثوباً جديدا ملوّناً بألوان المجتمع العراقي الزاهية على اختلاف مِللِهم ونِحلهم وأعراقهم ويرصّع بتاج المواطنة والمواطنة فقط وبذا يستحق ممثلونا ان نقول لهم ألف "عوافي" لمن يخدم الناس من كلّ الاجناس والمشارب ما داموا عراقِيي الهوى محتداً ومولِداً وسؤددا.

يقيناً ان هؤلاء السعادة المخلصين الوطنيين آتون قريبا لتقويم المسار الوطني وتطهيره من المطبّات الطائفية وردم الهوى السحيقة التي وقعنا فيها طوال ما يقارب العقدين من السنوات، وهنا حقَّ علينا ان نقول لهم هاتفين مرحبين "عوافي" لأنكم ستعيدون العافية لبلادي.

[email protected]