هل هناك من إنتفاضة أو أي حدث غير عادي جرى أو يجري على الساحة الايرانية ولم يقم نظام الملالي بتوجيه أصابع الاتهام بصورة أو بأخرى لمنظمة مجاهدي خلق؟! هذا السٶال أعتبره مدخلاً ضروريا للموضوع الاساسي الذي أريد أن أتناوله هنا والذي يجري الترکيز عليه بصورة ملفتة للنظر في خضم الانتفاضة الحالية ضد النظام.

خلال إنتفاضتي أواخر عامي 2017 و2019، ضد نظام الملالي، والتي إتهم الاخير بضلوع منظمة مجاهدي خلق فيهما، وخلال الانتفاضة الحالية المندلعة منذ 16 أکتوبر2022، حيث إن النظام قد تجاوز حدود إتهام المنظمة ووصل به الحال الى درجة بات فيها يستجدي الشعب بعدم التواصل مع منظمة مجاهدي خلق! هناك موضوع يثار بخصوص رٶية منظمة مجاهدي خلق لحقوق القوميات في إيران، والملفت للنظر هنا إن هذا الموضوع يثار من قبل "البعض" وکأنه کعب أخيل بالنسبة للمنظمة أو حتى کسکينة خاصرة لا تتمکن المنظمة من الخلاص منها، وبهذين التشبيهين فإن هذا "البعض" يريد من خلال الفهم الذي يطرحه من خلال السطور، بأن رٶية وفهم مجاهدي خلق لقضية حقوق القوميات لاتختلف شروى نقير عن رٶية وفهم النظام، فهل إن الامر کذلك حقا؟

السٶال الآخر الذي أجد أيضا ضرورة ملحة لطرحه هو: لماذا عند کل إنتفاضة يجري طرح موضوع حقوق القوميات في إيران بوجه منظمة مجاهدي خلق تحديدا والترکيز عليها؟ قبل أن أدخل في صلب الموضوع، من المفيد جدا هنا الاجابة على هذا السٶال، حيث إن نظام الملالي ذوي العمائم المزيفة والتي تحت کل واحدة منها ألف شر وعدوان، يعمل من أجل فبرکة الامور وخلط الاوراق وقلب الحقائق في سبيل عدم السماح لخصومه بالنيل منه وهو بذلك ومن أجل تحقيق غايته وکما کتبت في أکثر من مقالة يتفوق على المياکفيلية نفسها بهذا الصدد، إذ لأنه يعلم بأن مجاهدي خلق حرکة سياسية عامة من أجل الشعب الايراني ولا تتعلق بعرق أو طيف أو طبقة أو شريحة معينة بل حتى إنها تقف على مسافة واحدة من الجميع من دون أي تمييز وبالاضافة الى ذلك فإنه الخصم الذي يعلم أين ومتى وکيف يوجه ضرباته المٶلمة له، لذلك يريد أن يلقي العصي أمامها ويربك تقدمها للأمام، وإن "البعض" الذي أشرنا له هو قطعا غير من يطرح هذه القضية من باب المعرفة والاستزادة.

في خضم حوار أجريته لصحيفة "السياسة" الکويتية مع الاخ محمد محدثين، رئيس اللجنة الخارجية في المجلس الوطني للمقاومة الايرانية في يونيو حزيران 2018، فقد سألته عن رٶية مجاهدي خلق تحديدا بخصوص حقوق الاقليات القومية في إيران، وأتذکر جيدا کيف إن الاخ محدثين قد بادرني سريعا وقبل أن يجاوبني على السٶال هاتفا: نحن کمجاهدي خلق نرفض تسمية أقلية عرقية أو دينية أو ماشابه، فنحن نرى جميع مکونات الشعب الايرانية مساوية لبعضها في الحقوق والواجبات.

وبطبيعة الحال فإن ما قد قاله الاخ محدثين لم يکن کلاما عرضيا وعابرا بل إنه يمکن ترجمته ولمسه کأمر واقع في منظمة مجاهدي خلق ذاتها ذلك إننا نجد إن کلا من مؤسسي منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، محمد حنيف نجاد، وسعيد محسن، من الأتراك الآذريين، وأن علي أصغر بديع زادكان، من أهالي أصفهان. كما نجد أن الامینات العامات في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية، خلال العقود الـ 3 الماضية؛ کن من مختلف قوميات الشعب الإيراني، ومن بينهم السيدة مهوش سبهري من المواطنين الكرد، والسيدة فهيمة أرواني من الأتراك الأذريين، والسيدة موجكان بارسائي من الأهواز، والسيدة صديقة حسيني، من شمال إيران.

منظمة مجاهدي خلق، ومنذ تأسيسها في عام 1965، فقد کان همها الاکبر القضاء على النظام الملکي الديکتاتوري السائد وحتى إنه وبعد سقوط النظام الملکي في 11 شباط 1979، فإنها لم تنخدع بالرداء الديني ولا حتى بکاريزما الخميني وتيقنت منذ البداية بأن ما يخبئه الخميني تحت عمامته لا يختلف أبدا عن ماکان سائدا في عهد الشاه، وإنها الديکتاتورية ذاتها ولکن بإسم الدين أو کما هو شائع في أدبيات مجاهدي خلق جعل االعمامة مکان التاج، ولذلك کان الاصطدام والاختلاف، وهنا من المفيد جدا أن ألفت النظر الى موقفين مبدأيين بالغي الاهمية للمنظمة بحيث يٶکد إخلافها الجذري عن التيار الديني الذي کان الخميني يتزعمه؛ الموقف الاول هو رفض المنظمة لفرض الحجاب قسرا على النساء الايرانيات وحتى إن عضوات المنظمة لم يشارکن في التظاهرة النسائية في طهران ضد فرض الحجاب بل وحتى قمن أيضا بحماية التظاهرة من أي إعتداء أو تجاوز ضدها.

أما الموقف الثاني فقد تجلى برفضها القاطع لمجزرة سنندج الدموية التي نفذها النظام على يد المقبور مصطفى شمران، وأيد مواقف الاکراد وهذين الموقفين ميزا مجاهدي خلق عن باقي التنظيمات والاحزاب السياسية الايرانية السائدة وقتئذ وکانا بمثابة تأکيد على إن مجاهدي خلق لم تنجرف مع مزاعم وإدعاءات التيار الديني ولم تتدثر بعباءة الخميني ولم تستظل بعمامته بل إنها وقفت کما ينبغي ويجب لها کحرکة سياسية شعبية مٶمنة بالحرية والقيم الانسانية وترفض الظلم والاستغلال أيا کان شکله أو مصدره.

وأعود مرة أخرى لذلك الحوار الذي أجريته مع الاخ محدثين لصحيفة "السياسة" الکويتية عام 2018، حيث قال ضمن ما قد قاله في معرض إجابته عن سٶال بخصوص موقف المنظمة بشکل خاص وموقف المجلس الوطني للمقاومة الايرانية من قضية القوميات في إيران فأجاب قائلا: "نحن في أدبياتنا وفي سياستنا لا نعرف رسميا شيئا اسمه أقلية، نحن لا ندعي أن الفارس أكثرية، وان الاكراد أقلية مثلا، نحن نعتقد أن المجتمع الايراني يتكون من أتباع الاديان والقوميات المختلفة وكل هؤلاء يجب أن تكون لهم مشاركة فعالة ومساوية في الحياة السياسية، ولذلك فان شعارنا كان (الديمقراطية لـ إيران والحكم الذاتي للقوميات المختلفة)، هذا ما قد قاله السيد رجوي في مارس 1979، بمثابة اعلان الحد الادنى من برنامج (مجاهدي خلق)، أي الديمقراطية لإيران والحكم الذاتي للقوميات المختلفة من عرب وكرد وبلوش، وأي قومية أخرى في إيران". وإستطرد قائلا: "في البرنامج المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، في سبتمبر 1981، هناك مادة تؤكد ان من أجل ضمان الديمقراطية في ايران ومن أجل ضمان استقلالها، فان الحكم الذاتي للقوميات المختلفة أمر ضروري. الحكم الذاتي ليس شيئا تم تقديمه كهدية من المجلس الوطني للمقاومة الايرانية ومنظمة (مجاهدي خلق) بمثابة أخ أكبر، الحكم الذاتي عبارة عن ضرورة للانسجام والتآلف".

وأشار الاخ محدثين الى المادة الخامسة في برنامج المجلس الوطني للمقاومة الايرانية، والتي تنص على إن الحکومة المٶقتة التي تأتي إلى السلطة بعد الإطاحة بنظام الملالي التأكيد على حقوق القوميات الواردة في المادة (5) من هذا البرنامج الذي أعلنه السيد مسعود رجوي في أكتوبر 1981م، والتي توضح أن (الحكم الذاتي الداخلي، بمعنى القضاء على الظلم المزدوج لكافة الفروع والتنوع الوطني لبلدنا، وإتاحة جميع الحقوق والحريات الثقافية والاجتماعية والسياسية لهم في إطار وحدة تراب الوطن وسيادته وسلامته بشكل غير قابل للتجزئة، أمر ضروري)، وهذا الموقف قد تم تأکيده في الخطاب الذي ألقته السيدة مريم رجوي، رئيسة المجلس الوطني للمقاومة الايرانية أمام الاجتماع الکبير للإيرانيين في مدينة دورتموند الالمانية في شهر يونيو/حزيران1995، حيث أکدت: "منع أي نوع من أنواع الاضطهاد في إيران المستقبل ضد القوميات كالأكراد والبلوش والعرب والتركمان وغيرهم وضمان جميع حقوقهم وحرياتهم الثقافية والاجتماعية والسياسية في إطار وحدة البلاد وسيادته الكاملة".