سأقسو قليلاً، فسامحوني.

نقف مذهولين أمام التجاهل والإهانة التي يتعرض لها المسيحيون في الكويت، حاملو الوثيقة الوطنية عينها التي يحملها "الإخونج والصحونج"، مع إنكار لوجود طائفة وافدة كبيرة تدين بهذا الدين الكريم، على مرأى ومسمع الحكومة الضعيفة وأجهزة الدولة وقادة الحراك المدني.

شجرة مُزَيّنة ومصدر للاحتفال والسعادة وعادات لإسعاد الصغار والكِبار تتحوّل بنظر دعاة الكراهية والمنتسبين لرأي الأحقية المطلقة إلى حرب ضد مُعتقداتهم وعاداتهم. وفجأة، فوق هذا كله، يضعون اللوم على وجود هذه الشجرة في الأماكن العامة. وتتصدر بلدية الكويت رأس حربة تغريم واضعيها، تشرف على إزالتها برسالة «واتسآب»، ويقول منسوبو لجنة القيم "القندهارية" في مجلس النواب إنها حرب ضد الدّين الإسلامي!

لم أر أيّاً من مثيلاتنا في الخليج دولة وضعت أي حدود لهذه الأشجار الرّمزية، لاحترامهم مشاعر المسيحيين ومن يحب مشاركتهم، من جميع المُعتقدات.

والأسئلة التي أثارت حفيظة البعض هي.. أليس رب دين المسيحية هو نفسه رب المسلمين واليهود؟ أليس هذا الاحتفال شكلاً من أشكال التعايش مع من نؤمن بدينهم ورسالتهم؟ ولا يصح دين «فلول الصحونج والأخونج بالكويت» إلّا بالإيمان بهذا الدين واحترام مظاهره وثقافته؟ خصوصاً أن هناك مسيحيين كويتيين بيننا؟

ما يجعلنا أيضاً نتساءل: من وصّاكم علينا؟ ومن سمّى حربكم على التّعايش مع المُختلف بـ "الهوية الكويتية"؟
هل تؤمنون بالدّستور الكويتي؟ - «العهد بين الحكام والمحكومين وأهم مجموعة العقود الاجتماعية والمنظم والمحدد لصلاحيات سلطات الدولة الثلاث» - أليس هو هويتنا وشريعتنا المدنية ومن يعيش على أرضنا العزيزة؟ أم تكفرون به؟

لعب بعض مشاهير رجال الدين دوراً سيئاً في تحفيز الكراهية وإقصاء الأديان، وشهروا جميع أسلحتهم واستعطفوا النّاس بنصوص قرآنية وأشعار جاهلية من مُفسّرين لا يعرفون إلّا التفريق والإقصاء!

هذه الفوضى هي خلف تجاهلهم وكفرهم لمواد في الدّستور الكويتي – 29، 35، 36 - فهل يُحاسَب هؤلاء على تعديهم السافر على هذه القاعدة القانونية؟

نستطيع أن نقول بكل ثقة، من خلال دستور الكويت الذي يحمل نسبة عَلمانية طاغية في مواده تفوق 80 في المئة، إن الوعي الجمعي بمساعدة إخواننا في الخليج وخاصة المشروع "المستحيل" الذي يصل إلى أهدافه كما هو مخطط له، خلق موجة عَلمانية قوية جداً، لجعل هذه المنطقة تبدأ عصراً ذهبياً جديداً، فشكراً للاستثنائي صاحب السمو الملكي ولي عهد المملكة العربية السعودية.

أنا متزوّج من امرأة غير عربية، هي من أسعد ما حصل لي في حياتي، وأُسرتها من أروع الأشخاص الذين قابلتهم أيضاً، محظوظ بهم، ونتحدث عن الشأن الكويتي كثيراً. موضوع الحرّيات وعيد الميلاد وحرية الرأي والاعتقاد وغيرها جعلَتهم في ذهول، وقد ذكرت لهم مواد الدّستور التي تحفظ الحقوق، فأذهلهم أكثر عدم تطبيق أهم اتفاق بين الشعب وحكامه كما ينبغي.

أخيراً، تتراجع الكويت (قندهار الخليج) بصورة غير مسبوقة نحو الرأي الأصولي المتشدد، وإعطاء أحقية مطلقة لفرض الوصايا على كامل المجتمع من خارج رحم الدستور، ولا يمكن تفسير هذا الغياب التام للحكومة والرضوخ لهؤلاء المتطرفين إلا بأنها أزمات «مفتعلة» وعلى وتيرة متتالية ومنتظمة، كأنها تدعو بذلك لكل مدني متعايش بأن يغادر خارج هذه الدولة التي أجد أنها بدأت تنهار مدنياً.