قبل وصول طالبان للحكم بأشهر قليلة بمباركة غربية.. كنت إحدى المشاركات في ندوة دولية لتحليل ما هو الأفضل لإفغانستان وللعالم من حولها.. حكومة طالبانية أم الحكومة السابقة.. وكان رأيي أن موضوع حقوق المرأة وتعديل قوانين الأحوال الشخصية وتحديثه بما يتماشى مع المعاهدات والحقوق العالمية هو الإختبار الوحيد لمعرفة نوايا إي حكومة.. وعليه يقدّر تقديم الدعم الدولي وتمويل المشاريع التنموية بما يخدم مصالح أفغانستان والمجتمع الدولي...

ولكن ما حدث فيما بعد وما يحدث الآن، يستدعي اهتماما دوليا وإسلاميا خاصة وفي ظل صرخات منظمات العمل المدني في دول عربية أخرى بأن ما يحدث في أفغانستان يُلقي بظلاله على دولها حيث يُنادي نشطاء الإسلام السياسي بالتغيير السياسي والمجتمعي....

لم أُفاجأ بمراوغة طالبان حين وصلت إلى الحكم.. وبالرغم من حرصها على التأكيد للمجتمع الدولي بأنها ستكون أكثر عصرية.. إلا أن تصريحها الأول بأنها ستكون حكومة أكثر عصرية.. ذات طابع إسلامي... أكد لي نواياها.. وأكد لي أنها لن تتخلى عن أدبياتها وثقافتها المعجونة بالتأويلات الدينية.. ونظرتها للنساء منذ نشأتها وإعتبارها بأن تعليمهن خطر؟؟؟؟

قرارات طالبان الأخيرة بتعليم الفتيات الإبتدائية فقط.. ثم منعهن من الدراسة الجامعية.. ما هو إلا مكملا لقرارها الآخر في منع الفتيات من دخول مدن الملاهي ومن الخروج إلى الحدائق العامه وإستعمال الحمامات العمومية إضافة إلى منع النساء من التنقل من مدينة إلى أخرى أو السفر من دون محرم..
بهدفين مكملين لبعضهما.. الأول تطبيق تحريم الإختلاط... والثاني عدم تمكين المرأة على الإطلاق وتطويعها من خلال حبسها بين جدران بيتها وتجهيزها نفسيا وعقليا للقبول بكل الحقوق الذكورية التي قررها فقهاء الدين السابقين والمعاصرين للرجل..

تمسك وتشدد الحكومة الطالبانية في موضوع عدم حاجة المرأة للتعليم يتماشى تماما مع التلابس الذهني الديني الحاصل في معظم الدول الأخرى في موضوح حقوق المرأة.. ما بين وقرن في بيوتكن.. وحديث "المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان". أي زينها في نظر الرجال.. الحكومة الطالبانية توضح كل يوم بأنها لا تحترم الحقوق الأساسية للإنسان.. فكيف نتوهم بأنها ستحترم حقوق من لا تعتبرهن بشر؟؟؟؟؟؟

التنديدات الدولية بقرار الحكومة الطالبانية حتى تلك القادمة من الدولة القطرية الصديقة.. والعرض الأخير من الدولة الإيرانية بالتكفل بتعليم النساء.. لم تلقى أذنا صاغية.. وحتى النداء الذي صدر من الحكومة السعودية.. والتي ضربت المثل الأكبر في التحديث والإنفتاح الغير مسبوق على صعيد حقوق وحرية المرأة منطلقة من هدف وعدل ورحمة الخالق.. عبّرت عن إستغرابها وأسفها من قرار حرمان المرأة من حق التعليم الجامعي.. قائلة إنه “يثير الاستغراب في جميع الدول الإسلامية، ويتنافى مع إعطاء المرأة الأفغانية حقوقها الشرعية الكاملة، وعلى رأسها حق التعليم، الذي يسهم بدعم الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار لأفغانستان وشعبها الشقيق”.
ودعت الوزارة في بيان، الحكومة الأفغانية المؤقتة، إلى التراجع عن القرار.

كل ما سبق يؤكد عدم إهتمام الحكومة الطالبانية بالحصول على شرعية من المجتمع الدولي.. وأنها فقط تريد التمويلات الدولية لحل أزماتها الإقتصادية.. مُصرة على الحكم بعقيدتها وأدبياتها؟؟؟ بمعنى أنها ستبقى خطرا دوليا وخطرآ أكبر على الإستقرار السياسي في كل الدول العربية.. حتى مع فرض عزلتها...؟؟

ما يُذهلني.. تساؤل أحد الكتاب العرب كالعادة مُشككا بنوايا الغرب.. "هل هناك اهتمام حقيقي من الجهات الناقدة بإعادة تأهيلها وتنميتها كضرورة لتحريك القوى الكامنة في هذه الأمة؟"

سيدي القارىء
الدول الغربية.. أدركت خطر الدولة الدينية من أي دين.. وأدركت أهمية التعليم للمرأة في الدول الإسلامية بالذات.. ليس فقط لحماية حقوق المرأة.. بل لأنهم تيقنوا بأن تعليم وتمكين المرأة.. هو صمام الأمان في السلم العالمي.. الذي أصبحت فيه العقيدة الدينية المتشددة خطرأ يُهدد ليس فقط مصالح هذه الدول.. ولكن يُهدد مواطنيها في عُقر دارهم.. والأمثلة على ذلك كثيرة.. وبالتالي من مصلحتهم أنسنة هذه المجتمعات من خلال تمكين المرأة....

وبينما تبقى هذه الدول المتشددة عقيديا في جدال عقيم بين تمكين المرأة وتعليمها من عدمه.. تعمل مؤسسات البحث العلمي في الدول الغربية على كل ما يحُد من الخطر على مواطنها والعمل على رفاهيته وتأمين حياة كريمة لكل مواطنيها بغض النظر عن الدين والجنس..