على مدى 300 عام شهدت المملكة العربية السعودية تاريخاً للدولة بمراحلها الثلاث. وهذه المراحل رغم تقطع مسارها التاريخي إلا أن فكرة الدولة التي أسسها الأمير محمد بن سعود، كانت هي الحاسمة في منطقة نجد. فمنذ انهيار دولة بني الأخيضر في القرن الخامس الهجري لم تشهد نجد استقراراً على مدى 7 قرون، وكان وجود الحواضر الصغيرة واستقرارها في نجد منذ القرن الثاني عشر للهجرة هو الذي مهد لظهور الدولة السعودية الأولى، التي أصبح امتدادها اليوم في العصر الحديث سبباً أساسياً من أسباب فرحة الشعب السعودي.

يفرح السعوديون بيوم التأسيس لأن فضل ذلك اليوم يشهد له امتداده في العصر الحديث. فقد كان يوم التأسيس استلهاماً تاريخياً ظل باستمرار نبراساً لأمراء وملوك آل سعود، مع كل دورة جديدة للنهوض، رغم الانقطاعات التي حدثت لمسار الدولة.

يفرح السعوديون بيوم التأسيس لأن الملك عبد العزيز رحمه الله بنى مع رجاله دولةً أسسوا وحدتها معاً، وبنوا مجدها معاً، ولأن الملك عبد العزيز عبر رؤيته الثاقبة كان مدركاً أن بناء الدولة الذي تعين عليه انجازها سيكون مختلفاً عن شاكلة الدول المجاورة له من الدول العربية. وها هي الأيام تثبت أن المملكة العربية السعودية اليوم وهي تعيش نهضةً متجددة، كانت بالفعل هي الاستثناء الفريد في البناء.

عاش الملك عبد العزيز النصف الأول من القرن العشرين ثلاثين عاماً (1902 - 1932) وهو يبني مع رجاله وحدة المملكة العربية السعودية، فيما عاش 20 عاماً بعد الوحدة يعمل على ترسيخ تلك الوحدة بمشاريع الاستقرار والنهضة.

لقد نأى الملك عبد العزيز منذ العام 1945 بعلاقاته السياسية عن محيط التعاون المباشر مع دولتي الاستعمار في الشرق الأوسط (فرنسا وبريطانيا) وشرع في تأسيس علاقات وطيدة مع دولة لم تكن قد ظهرت بعد على مسرح السيادة العالمية قبل نهاية الحرب العالمية الثانية (الولايات المتحدة) لكنه ببصيرته السياسية الثاقبة أدرك الملك عبد العزيز اتجاه مستقبل العالم، وصدقت الأيام رؤيته البصيرة.

يفرح السعوديون بيوم التأسيس لأن لا شيء مما يعيشونه اليوم في دولتهم من استقرار وأمن وازدهار، هو مما كان من السهل تحقيقه لولا إلهام يوم التأسيس الذي كان بدايةً لتأسيس الاستقرار والأمن في ربوع الجزيرة العربية.

إن الفرح مناسبة لإظهار الامتنان بالسعادة ومسبباتها من الأمن والطمأنينة والرفاهية، وكلها غايات أصبحت اليوم متوفرة للمواطن السعودي بفضل السياسة الرشيدة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وولي عهده الأمين الأمير محمد بن سلمان ابن عبد العزيز حفظهما الله.

ولأن الأمور تعرف بأضدادها، فلا يمكننا أن نعرف نعمة الأمن إلا إذا عرفنا نقيضها، ولا نعمة الاستقرار إلا إذا عرفنا ما معنى الفوضى، وهكذا حين ينظر المواطن السعودي اليوم نظرةً إلى من حوله من حال بعض الدول لأدرك طبيعة الفرق الذي أصبح عليه بفضل الله ثم بجهود القيادة الرشيدة للدولة السعودية.

إن المملكة العربية السعودية يفرح اليوم أبناؤها وبناتها ويحتفلون بيوم التأسيس ليدركوا أنهم أحفاد رجال عملوا لأن يكون ذلك اليوم قبل 300 سنة وعداً ممكن التحقق للقطيعة مع الفوضى والخراب في الجزيرة العربية بعد أكثر من 7 قرون منهما.

ويفرح السعوديون والسعوديات اليوم بيوم التأسيس لدولتهم الممتدة على مدار 300 عام مدركين أن الاحتفال وإظهار الفرح بالنعمة والاستقرار والأمن والازدهار أمور لا يمكن إدراك حقيقتها إلا بالتذكر والذكرى ليستشعروا عراقة الماضي ويدركوا ازدهار الحاضر ووعد المستقبل بالمزيد من الازدهار والانفتاح والتحقق بكل المتطلبات التي تجعلهم أكثر سعادةً وفرحاً بما أصبحوا عليه من تطور وتقدم وازدهار.

يفرح السعوديون بيوم التأسيس لأنهم يعرفون أن لا شيء في هذه الدنيا يجلب لهم السعادة والفرح بدون جهد وتعب، ولتتوهج ذاكرتهم الشعبية باستمرار في كل ذكرى ليوم التأسيس بتمثل عظمة ذلك اليوم وما ترتب عنه من مجد وعز ومنعة لهذا الشعب.

إن يوم التأسيس ليس مجرد يوم في التاريخ، بل هو عودة متجددة لمواصلة حياة مزدهرة، يوم يتردد صداه وأثره في كل مفردات وجودنا ونهضتنا وحيوية مجتمعنا الذي يتطلع أبناؤه وبناته اليوم إلى المستقبل، مدركين أنهم على خطى الأجداد العظماء الذين جعلوا من يوم التأسيس بداية حقيقية للانطلاق إلى أيام الحاضر والمستقبل.