المتابع لسياسة المملكة العربية السعودية منذ تولي خادم الحرميين الشريفيين الملك سلمان حفظه الله الحكم في المملكة يلحظ تغيراً متسارعاً في السياسة السعودية سواء على الصعيد الداخلي والخارجي وكما هو معروف عن الملك سلمان أنه رجل إدارة بامتياز وتخرج من مدرسة الملك عبد العزيز رحمه الله وعاصر الملوك من بعده مستشاراً وأميراً للعاصمة مما جعله رجل إدارة بإمتياز يتجلى ذلك في إختيار الكفاءات المناسبة التي تستطيع أن تقدم ما تتطلبه المرحلة من عطاء يتواكب مع متغيرات العصر على جميع الأصعدة وليس أدل على هذا النجاح الإداري من اختبار صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد ومهندساً لرؤية المملكة 2030 التي نقلت المملكة الى القرن الحادي والعشرين ورسمت الأبعاد التنموية والإقتصادية والتطويرية وفق طموح ما قال عنه سموه يعانق السماء!

من إنطلاقه قوية على الصعيد الداخلي تضمن حزم متعددة من الأنظمة والتشريعات وإعادة الهيكلة والتنظيم الإداري الذي طال جميع مفاصل الدولة ووزاراتها وأجهزتها مع سياسة قوية للمحاسبة والشفافية ومحاربة الفساد المالي والإداري وإصلاح المنظومة العدلية والإجتماعية وإعادة هيكلة الأنظمة الأقتصادية والاستثمارية وأنظمة العمل والسياحة والترفيه حتى رأينا العالم كله يتجه للمملكة بصفتها واحة أمان وسلام وتنمية اقتصادية جاذبة هذا النجاح المبهر على الصعيد الداخلي أكسب المملكة إحترام وتقدير العالم وأسكت الكثير من الأصوات التي كانت تنعم فيما يتعلق بحقوق الإنسان والمرأة وكيف قدمت المملكة نماذج من الإصلاح والتغيير المنضبط بتقاليد الشرع الحنيف مما جعل العالم يسعى ليمد جسور التعاون مع المملكة ورؤيتها الطموحة وتسابقت الشركات العالمية وبيوت الخبرة والاقتصاد لإقامة الشراكات والعلاقات الاقتصادية والاستثمارية مع نظيراتها الاقتصادية في المملكة.

من هذا النجاح المطرد على الصعيد الداخلي كان للسياسة السعودية على الصعيد الخارجي توجه جديد وسياسة جديدة يوازن بين المصالح والمواقف السياسية، ولا شك أن هذه السياسة البراغماتية حققت تميزاً وتفرداً على الصعيد العربي والإسلامي والدولي وأكسبت السعودية هامشاً واسعاً في نسج علاقات متوازنة مع جميع دول العالم تغييراً عند سياسة إلا خلاف أو المعسكرات أو التبعية القطبية بل جعلتها هذه السياسة تؤسس لقطبية عربية جديدة تجلت في الموقف السعودي الخليجي العربي من الحرب الروسية الأوكرانية الذي ألتزم الحياد الإيجابي مما جعلها تتحرك وفق هامش سياسي مستقل أكسبها قدرة علي التدخل لإنهاء الصراع كحليف موثوق من قبل الطرفين وهذا ما أتضح لاحقاً من نجاح السعودية في إطلاق أسرى من دول الناتو وروسيا بوساطة سعودية تدخل فيها سمو ولي العهد السعودي شخصياً كذلك رأينا الانفتاح السعودي الصيني وما تبعه من عقد قمم الرياض الثلاث السعودية والخليجية والعربية والذي عدّه الكثير من المراقبين مؤشراً لتوجه البوصلة السعودية باتجاه الشرق في شراكات سياسية واقتصادية متوسطة وطويلة الأجل ولا ننسي التوجه السعودي لتعميق العلاقات مع فرنسا وبريطانيا من خلال الزيارات المتبادلة وعقد الأتفاقيات من خلال الزيارات المتبادلة وعقد الاتفاقيات ثم الزيارات الرسمية لمسؤولين كبار من شرق أسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية لنفس الغرض الهام وهو التأكيد على استمرار التزود بالطاقة من السعودية وفق شراكات اقتصادية متبادلة بين البلدين.

وفي نفس الإطار كانت القمة العربية التي عقدت في جدة والتي عدت منعطفاً جديداً في السياسة السعودية البرغماتية التي تغلب المصالح العليا للدول وتجاوز الخلافات والأنطلاق نحو المستقبل وقد شاهدنا عودة الرئيس بشار الأسد لمقعده في القمة العربية وتم أيضاً دعوة الرئيس الأوكراني للقمة للتأكيد على دعم القمة العربية لإحلال السلام في أوكرانيا لما له من تأثير على الاستقرار والسلام العالمي، وبالطبع سعت السعودية لتوثيق علاقاتها مع تركيا من خلال زيارات متبادلة تم فيها إعادة الدفء للعلاقات السعودية التركية لتنطلق من جديد عملية التعاون الاقتصادي والشركات والاستثمارات بين القطاع الخاص في البلدين، بقيت إيران خارج الإطار حتى جاءت قمة بكين لتنهي القطيعة السعودية الإيرانية وتعود العلاقات السعودية الإيرانية من جديد لتؤكد سعي الرياض لتصفير المشاكل في الشرق الأوسط والعالم وهذا ينسجم مع سعيها لتكون رقماً صعباً قي إدارة التوازنات والعلاقات الدولية من خلال موقعها في قمة العشرين وعضويتها الفاعلة في منظمة أوبك وأوبك بلس ونجاحها في إدارة ملف الطاقة العالمي منذ اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية.

كما رأينا التفاهمات المستمرة لانضمام السعودية لمنظمة بريكس الاقتصادية ومنظمة شنغهاي وهذا يعطي دلالة على تفرد القرار السعودية البعيد عن الانحياز أو التحالفات المقيدة للتوجهات السياسية والاقتصادية بل انتهجت سياسة اقتناص الفرص حيث وجدت وفق مصالحها السياسية والاقتصادية.

على صعيد العلاقات السعودية الأمريكية فبالتأكيد ستظل العلاقة تاريخية وشراكة اقتصادية رغم ما يشوب السياسة الأمريكية من عدم وضوح وصل لحد الارتباك والتخبط مما جعل هذه العلاقة تمر بمنعطفات أدت إلى تباطؤ نمو هذه العلاقات نتيجة سياسة الديموقراطيين غير العقلانية وسعيهم لفرض قيم غير مقبولة لدى المسلمين قوبلت بالرفض والاستهجان إلا أن هذه العلاقات لا زالت مستمرة والزيارات الأمريكية للسعودية لا تتوقف لاسيما في ظل إستماتة أمريكية لتحقيق منجز يتمثل في تطبيع مع الكيان الصهيوني الذي يجابه بموقف سعودي ثابت وهو قيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود 67 وفق المبادرة العربية كثمن لهذه العلاقة المنتظرة.

من هذا السرد المختصر نقول أن المملكة العربية السعودية قد حققت نجاحاً باهراً في إدارة العلاقات والتوازنات الدولية لتصبح محط أنظار العالم وتكتسب أهمية بالغة جعلت العالم ينظر إليها كقطب داعم للأمن والسلام والتنمية ويوكل لها الكثير من حل قضاياها مثال على ذلك إجلاء رعايا أكثر من 100 دولة من السودان. واجتماع جدة لأكثر من 30 دولة لبلورة حلول للأزمة الروسية الأوكرانية وهذا ما يجعلها تحظى بهذه المكانة العالمية.