تثير قضية دعم العالمي الذي حصدته إسرائيل تساؤلات عدة، خاصةً بعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها المنطقة.

ولا يأت هذا الدعم العالمي المطلق من العدم، انما يقوم على عوامل تاريخية وسياسية ودينية تعززت على إثرها مشاعر الدعم الغربي لدولة إسرائيل. وفي تأمل لمجريات الأمور مؤخراً، لا يمكن إغفال أمر أساسي، وهو أن القضية الفلسطينية، وبصرف النظر عن نتيجة المغامرة الدموية الحالية، ستؤرخ الأحداث وفقاً لمعيارين: قبل اعتداءات السابع من أكتوبر وبعدها، وذلك على المستويات الجغرافي والديموغرافي والتاريخي.

إذا، لماذا تدعم القوى العالمية المؤثرة إسرائيل بالرغم من أن الفلسطينيين هم أصحاب حق تاريخي بالأرض؟
لم تتردد بعض الدول بإبداء المساندة للفلسطينيين، لكن هذه المساندة اقتصرت على ابداء مشاعر القلق لا أكثر، وبينها من ابدى قلقاً عميقاً فيما اعربت اخرى عن مشاعر قلق سطحية. حتى أن الداعمين التاريخيين للقضية الفلسطينية لم نر لهم أثرا عدا قلة من التصريحات التي أبدو فيها قلقهم لا أكثر.

وفي هذا الطرح سنتأمل معا أيها القارئ العزيز في هذه القضية بغض النظر عن نتيجة هذه المغامرة الدموية. فالأحداث ستؤرخ بما قبل وبما بعد السابع من أكتوبر جغرافيا وديموغرافيا وتاريخيا.
فعندما جاء المهاجرون اليهود الأوائل من أوروبا إلى فلسطين كانوا محملين بثقافة الجيتوهات. وقد كان لهم بعض العذر بسبب شيوع ثقافة الكراهية ضدهم لاسباب عدة. لكنهم لم يستطيعوا التخلي عنها في الوطن الجديد. فثقافة الجيتو هي وسيلة الاقليات للعيش وخصوصا الأقليات المكروهة أو الدخيلة.
وزاد الأمر تطرفًا بعد هزيمة العرب في العام ثمانية واربعين حيث تمت أكبر عملية تطهير عرقي عرفتها المنطقة. فتم طرد العرب من بيوتهم ثم انتعش اليمين اليهودي الأرثوذكسي بعد هزيمة هتلر ومشجعيه من العرب وعلى رأسهم أمين الحسيني وبدأ جدار الكراهية يعلو يومًا بعد يوم.
وقد كان اليهود منتشرون ويعيشون بأمان في المنطقه العربية وبكثافة. وقد كانت مجتمعاتهم مميزة ومنتجة ومندمجة في المغرب العربي ومصر واليمن والشام، إلى أن بدأت التيارات القومية عبد الناصر والبعث في الانتشار، وبدأ بث موجات العداء لليهود، فرحلوا جميعا الى فلسطين في أكبر وأفدح خطأ تاريخي ارتكبته هذه الانظمة في حق القضية ندفع ثمنه إلى اليوم.
وبدأ إنشاء الكيبوتسات بالتزامن مع تهجير العرب من فلسطين وهو نوع من أنواع الجيتوهات. وفي المقابل بدأت النبرة والنعرة الدينية في الانتشار بين العرب أيضا بعد النكبة كوسيلة للاختباء والهروب من الواقع.
بعدها، تم اسناد القضية إلى السماء وأصبحت النصوص التوراتية وآيات القرآن هي الفيصل في القضية. وأصبح الصراع ديني بامتياز، وتحولت اسرائيل إلى جيتو ديني يهودي. خصوصًا بعد صعود الأحزاب الدينية وإعلان إسرائيل رسميًا دولة يهودية.

في المقابل شكّل الاخوان المسلمون البنية الأساسية لجيتو يميني. واختاروا غزة بعد (تطهيرها) من فتح. وأصبحت غزة جيتو ديني إسلامي خالص. وأصبحت المنطقه كلها بؤرة ومفرخة إرهاب. وتحولت إلى حرب جيتوهات دينية مستدامة غطى إرهابها أركان الكوكب الأربعة.

نعود إلى السؤال "لماذا وقف الغرب كله مع اسرائيل؟" لكن، مع تعديل بسيط في السؤال: لماذا وقف العالم كله مع اسرائيل ضد حماس؟
ومع ملاحظة أن كل القنوات الغربية تُطلِق الآن مصطلح حرب إسرائيل ضد حماس. فقد أصبحت حماس عدو مشترك للجميع. وتم إخراج المسألة الفلسطينية من المعادلة. فالقضية الآن هي تنظيم متطرف إرهابي يريد تدمير إسرائيل والعالم كله.
وتم توظيف المشاهد الصادمة من أحداث السابع من أكتوبر باحترافية بالغة، هيّجت أميركا والغرب كله.
وما يجري الآن هو تسوية غزة بالأرض.. ولا عزاء لكل من شعروا بالقلق أو بالقلق العميق.