شهدت المملكة المغربية خلال عام 2023 أحداثاً مؤلمة عديدة، منها الزلزال المدمر الذي ضرب منطقة الحوز ليل التاسع من أيلول (سبتمبر)، وتسبب بمقتل ما يقرب من 2900 شخص، وإصابة أكثر من 5500 آخرين، ودمر، كلياً أو جزئياً، آلاف المنازل، تاركاً خسائر فادحة في الممتلكات.

أمام هذه الكارثة، لم يتأخر ردّ فعل المغاربة بكافة مكوناتهم وشرائحهم، يؤاسيهم ملكهم الهمام عاهل المملكة المغربية، الذي وجه منذ الساعات الأولى من هذه الكارثة الطبيعية بإطلاق عمليات إغاثة مستعجلة ودقيقة لإنقاذ الأرواح، ونصب مستشفيات ميدانية عسكرية مجهزة بأحدث الوسائل الطبية، وفي جميع التخصصات.

واستجابة للاحتياجات الأكثر إلحاحًا لمساعدة الناجين، انطلقت في كل أقاليم المملكة موجة منقطعة النظير من التضامن والتآزر، مكنت المغرب من تحويل هذه الأزمة إلى التفاف إنساني تضامني متراص ومنتظم، وإلى فرصة لتنفيذ مخطط إعادة إعمار هذه المناطق، بقيمة إجمالية بلغت 120 ملياراً. ناهيك عن إطلاق مشروع "كفالة اليتيم" الذي مُنِح بموجبه كل أيتام الزلزال صفة "مكفولي الأمَّة"، للتخفيف عنهم وتيسير دمجهم تربوياً ونفسياً في النسيج الاجتماعي المغربي.

بالتوازي مع ذلك، تم إطلاق برنامج جديد منتظر منذ سنوات، حيث أعلن المغرب نهاية كانون الأول (ديسمبر) 2023 موعداً لاستفادة نحو مليون أسرة معوزة من برنامج خاص للدعم الاجتماعي؛ إذ ستتلقى الفئة المستهدفة مساعدات شهرية مباشرة للمرة الأولى، لتخفيف ظروف عيشها ولإعانتها على تدبير ضرورات حياتها. وسيكلف تنفيذ هذا البرنامج ميزانية قدرها 25 مليار درهم، (حوالى 2,3 مليار يورو) لعام 2024، وهذه المساعدات الأسرية تمثل جزءاً من إصلاح اجتماعي واسع النطاق أطلقه الملك محمد السادس منذ عام 2020، يعد بتحريك عجلة التنمية البشرية في البلاد، وتقليص الفوارق الاجتماعية. ويتضمن هذا المشروع تعميم التغطية الاجتماعية على جميع المغاربة، وهو إجراء شُرع في تطبيقه منذ سنة 2021.

وعطفاً على ذلك، سيصير بإمكان هذه الفئة الاجتماعية الواسعة الإفادة من التأمين الصحي الإلزامي، الذي سيغطي حاجة أكثر من 3,8 ملايين عامل لحسابهم الخاص وأسرهم، وتوفير التغطية الطبية المجانية لأكثر من 10 ملايين شخص من المعوزين، وهو مشروع كبير ستتكفل الدولة بتغطية تكلفة مساهماتهم في صناديق التأمين بأكملها.

كما تأتي هذه الإصلاحات الاجتماعية في سياق السياسة الملكية التي تجعل من الأولويات اليوم النهوض بالوضع الاقتصادي للأسر، وعدم تعميق الفوارق الاجتماعية في مملكة يبلغ تعداد ساكنيها حوالى 36 مليون نسمة.

ويعد هذا البرنامج أول مبادرة في تاريخ المغرب الحديث تلتزم بموجبها الحكومة بتقديم دعم مالي شهري مباشر للأسر وبوتيرة مستدامة، ويعتمد على استهداف ناجع وفعال للأسر المعوزة المؤهلة للدعم بفضل السجل ‏الاجتماعي الموحد، حيث ستكون له آثار إيجابية عديدة، منها تحسين مؤشرات التنمية الاجتماعية والبشرية، ‏وتقليص نسب الفقر والعوز، والمساهمة في تكريس التضامن بين الأجيال، ‏وكذلك تخفيف العبء المالي والنفسي على الأسر التي تعيل مسنين، كونَها آلية مبتكرة وناجعة للدعم الاجتماعي المباشر.

وقد سبق أن أعلن العاهل المغربي في كلمته التي خص بها افتتاح الدورة الجديدة للبرلمان بالعاصمة الرباط منتصف تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، تفعيل برنامج الدعم المالي الاجتماعي نهاية العام 2023، مؤكِّداً على أنَّ المجتمع "سيكون أكثر إنتاجاً وأكثر مبادرة، عندما يكون أكثر تضامناً وأكثر تحصيناً أمام التحديات"، وذلك "تجسيداً لقيم التضامن الاجتماعي الراسخة عند المغاربة".

جدير بالذكر أنه من المتوقع أن يسجل المغرب نمواً بنسبة 2,7 بالمئة وتضخماً بنسبة 6,1 بالمئة عام 2023، بحسب آخر تقديرات البنك المركزي المغربي.

فها هي ذي سَنة تُطوى وأخرى تبزغ طلائعها، والمغرب الحديث يواصل مسيرة البناء والتشييد في جميع المجالات والميادين. فكل عام والمملكة المغربية تنعم في سرابيل الرقي والنماء، والأمن والرخاء، تحت قيادة ملكها الهمام، وبالتفاف رعيته الوفية حوله على الدوام.