يمثل اغتيال إسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري وعدداً آخر من قادة كتائب القسام في لبنان، وفي معقل حزب الله في الضاحية الجنوبية لبيروت بالذات، ضربة قاسية على مستويين. الأول على مستوى شخص العاروري ومركزه التنظيمي والعملي، على خلفية القرار الذي أعلنته إسرائيل بملاحقة قادة حماس أينما كانوا في العالم. والثاني على مستوى الموقع الذي استهدف فيه، خاصة مع تحذير الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله إسرائيل في 14 نيسان (أبريل) الماضي من استهداف أي شخصية لبنانية أو فلسطينية أو سورية أو إيرانية أو لأي جنسية انتمت في لبنان، مؤكدًا أنَّ حزب الله سيعتبر من دون تردد أي حادث أمني يحدث في لبنان تصعيدًا قويًا.

وبالتالي، يمكن أن يتفاقم الوضع على الأرض بين حزب الله وإسرائيل، سواء كان ذلك عبر حوادث عنف في الحدود بين لبنان وإسرائيل أو من خلال عمليات أمنية ينفذها حزب الله ضد مصالح أو أشخاص إسرائيليين في الداخل أو في الخارج. وبغض النظر عن ذلك، فإن عملية اغتيال العاروري ليست مستقلة عن ما يحدث في المنطقة بين إيران وإسرائيل. حيث قامت إسرائيل بتصعيد العمليات التي تستهدف قادة حزب الله في الميدان وفي سوريا مؤخرًا، بالإضافة إلى قادة عسكريين إيرانيين على مستوى عالٍ في الحرس الثوري.

اغتيال العاروري في قلب الضاحية الجنوبية هو رسالة تؤكد أن معقل الحزب المذكور ليس مستبعدًا من تأثيرات حرب غزة وتداعياتها، تمامًا كما حدث في دمشق والحدود العراقية - السورية التي تعرضت لهجمات إسرائيلية كبيرة خلال الأسابيع القليلة الماضية. فعلى سبيل المثال، تم استهداف المسؤول الكبير في فيلق القدس في سوريا رضي الموسوي، وكذلك تم استهداف مواقع قرب مدينة البوكمال على الحدود السورية - العراقية مما أدى إلى مقتل أربعة من أعضاء الحزب المشار إليه.

نظرًا لأنَّ الضربة وقعت في معقل حزب الله وبين جمهوره، من الصعب ألا يرد الحزب بنفسه، حيث لا يرغب في أن يُفهم صمته على العملية كنجاح لإسرائيل في تغيير قواعد اللعبة التي سادت منذ عام 2006، حيث تم استهداف المعقل الحصين الذي يضم قادة وأفرادًا من فصائل إيرانية مختلفة من جميع دول المنطقة، بما في ذلك اليمن وشمال أفريقيا. ومن حيث المبدأ، تعتمد ضمانات هؤلاء على قوة حزب الله وقدرته على إقامة قواعد قتالية تمنع استهداف مناطقه المأهولة بالسكان من قبل الإسرائيليين. ولكن ما حدث البارحة يثبت أن الحرب مستمرة بطرق متعددة، وأبرزها العمليات الخاصة التي تحدث خارج قطاع غزة.

وفقًا لدراسته وتجربته الطويلة في المجال الشرعي، يُعَدُ العاروري مرجعًا شرعيًا. إضافةً إلى ذلك، يتميز العاروري بذكاء سياسي واستراتيجي، وقد مكث طويلاً في السجن لمدة تقرب من عقدين. وكان أحد المؤسسين لكتائب القسام في الضفة الغربية. كما شغل منصب نائب رئيس المكتب السياسي للحركة لسنوات طويلة، وهو الشخص الثاني في تسلسلها الهرمي. كما يعد أحد المهندسين السابقين للحوار الفلسطيني الداخلي، ويعتبر حلقة الوصل بين حماس ومحور إيران وحزب الله، نظرًا لموقعه ومهمته، وأيضًا يقيم في الضاحية الجنوبية التي تعتبر معقلًا للحزب، وهو أحد أهم المدافعين عن فكرة "وحدة الساحات".

هناك العديد من الأسئلة المحيطة حول عملية الاغتيال، بما في ذلك الشخصية والتوقيت والسياق والشكل، لكن أحد الأسئلة الرئيسية يتعلق بالدور الأميركي فيها.

وهناك اثنتان من النظريات بشأن دور واشنطن في العملية؛ الأولى تقول إنها كانت مشاركة في العملية وأن الإعلان عن سحب حاملة الطائرات يو إس إس جيرالد فورد من البحر المتوسط كان جزءًا من خطة التمويه المرتبطة بها، في حين تُرجِّح النظرية الثانية أنَّ الاغتيال كانت عملية إسرائيلية بكل تفاصيلها، وأن واشنطن تم إبلاغها فقط أثناء تنفيذها. ومن الملاحظ سرعة المسؤولين الأميركيين في التبرؤ من العملية ونفي أي دور أميركي فيها أو حتى أي معرفة مسبقة بها. ولا يعني ذلك أن واشنطن كانت تعارض العملية، إذ قامت الإدارة الأميركية بوضع مكافأة كبيرة لمن يقدم معلومات عن العاروري.

ويمكن القول في المحصلة إن من أبرز أهداف عملية الاغتيال، بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، هي محاولته تحقيق فوز مزدوج على حماس وحزب الله معاً، بالإضافة إلى تجربة حظه مرة أخيرة في جر الولايات المتحدة إلى التدخل في المواجهة الإقليمية، ومحاولة الترويج للاغتيال بصفته "إنجازاً" قبيل تغيير نمط الحرب أو نقلها إلى ما يعتبره الاحتلال "المرحلة الثالثة"، والعين طبعاً على إقناع الجمهور الصهيوني.

ومع ذلك، ورغم ما تم ذكره سابقًا، يجب ألا نستبعد أبدًا احتمال الارتباك والاندفاع وحتى الاستعجال في اتخاذ مثل هذا القرار من قبل إسرائيل، إذ لم يفكروا طويلاً في الوزن الفعلي للأحداث وعواقبها عليهم بدقة. والأمر نفسه قد ينطبق لاحقاً على رد حزب الله على الاغتيال.

قبل عملية الاغتيال، نجح حزب الله في الحفاظ على مستوى من التورط في المعركة، والانضباط وفقًا لقواعد الاشتباك، حيث لم يسمح بالسيطرة الكاملة على غزة من خلال إشغال الجبهة الشمالية، ولكنه أيضًا لم يندفع نحو حرب شاملة مع الاحتلال.

في الوقت الحالي، على الرغم من أن المصلحة المباشرة للحزب قد لا تكون في توسيع المواجهة، نظرًا لأن الاحتلال هو من بادر بالاغتيال وبالتالي فهو أكثر استعدادًا للردود والتداعيات، حيث فقد الحزب عامل المفاجأة وأيضًا نظرًا لأن هدف نتنياهو من البداية هو توسيع المواجهة كما سبق ذكره - قد يكون الحزب مضطرًا للرد.

لذا، قد يقوم حزب الله بالرد على اغتيال العاروري بسرعة، وربما يتأخر قليلاً في ذلك. وقد يكون الرد عسكريًا مباشرًا، كونه السيناريو الأكثر احتمالًا، أو قد يكون ردًا غير مباشر من خلال إجراءات أمنية. ولكل منها العديد من الخيارات بشأن الأشكال والتوقيتات والأماكن.

ومع ذلك، فإن استجابة حزب الله المتوقعة ستكون العامل الرئيسي الذي سيؤثر بشكل كبير على السيناريو المتوقع لتطورات الأحداث بعد اغتيال العاروري في منطقته الجنوبية.