الكيان المحتل مذنب ويشنّ حرب إبادة جماعية في غزة؛ هذا هو حكم الملايين حول العالم، وذنب إسرائيل مثبت في محكمة الرأي العام الدولي. مع ذلك، فإنَّ المذبحة في غزة مستمرة، بالرغم من ردود الفعل غير المسبوقة. لكن للمرة الأولى في التاريخ، ستمثل إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية للدفاع عن نفسها ضد مضبطة اتهام تقدمت بها جنوب أفريقيا، تتهمها بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وتطالب بإجراء موقت. حكم موقت من المحكمة بالتوقف والكف، حتى تصدر لجنة القضاة المكونة من 15 عضوًا حكمًا نهائيًا.

إنَّه لحدث تاريخي. لقد قاطعت إسرائيل هيئات الأمم المتحدة التي تنظر في احتلالها الضفة الغربية وقطاع غزة منذ عقود. وباعتبارها عضواً في الأمم المتحدة ومن الموقعين على ميثاقها، لا خيار أمامها سوى المثول أمام المحكمة أو مواجهة العواقب القانونية. ومن المثير للاهتمام أن تختار جنوب أفريقيا، التي يحظى طلبها الآن بدعم قائمة متزايدة من البلدان، محكمة العدل الدولية لهذه المهمَّة. فإسرائيل ليست من الدول الموقعة على نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، ويمكنها تقديم حجج قوية للالتفاف على الحكم. ولم تبت المحكمة الجنائية الدولية بعد في طلب السلطة الفلسطينية الحصول على رأي بشأن احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية. في الوقت ذاته، فإنَّ جميع أعضاء الأمم المتحدة هم أطراف في النظام الأساسي لمحكمة العدل الدولية، وأحكامه ملزمة.

إقرأ أيضاً: إيران وفشل نظرية ولاية الفقيه

في حين يمكن للمحكمة الجنائية الدولية توجيه الاتهام إلى الأفراد في قضايا جرائم الحرب والإبادة الجماعية والتطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، فإن محكمة العدل الدولية تدرس الصراعات بين الدول. قد تضيع إسرائيل بعض الوقت في الزعم بأن المحكمة ليس من اختصاصها النظر في العمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة، لكن من غير المرجح أن يغير ذلك الكثير. إنَّ إثبات التزام إسرائيل بالقانون الدولي في غزة سيكون مهمة مستحيلة. وقرار هذه المحكمة سيختبر مصداقيتها.

في حين نظرت محكمة العدل الدولية في العديد من القضايا منذ إنشائها في عام 1945، تبرز قضية إبادة جماعية واحدة، هي القضية المرفوعة ضد يوغوسلافيا السابقة وصربيا والجبل الأسود التي رفعتها البوسنة والهرسك في عام 1996. واستغرقت المحكمة 11 عامًا لإصدار حكم نهائي، وتمخض عن سلسلة إدانات.

من المهم أن نلاحظ أن الدعوى التي رفعتها جنوب أفريقيا تتعامل مع قضية إبادة جماعية مستمرة. هناك حاجة للضغط من أجل أن تأمر محكمة العدل الدولية بوقف جميع الأنشطة العسكرية الإسرائيلية بينما تستمع المحكمة إلى حجج الجانبين وحتى تصدر حكمًا نهائيًا، الأمر الذي قد يستغرق سنوات.

اقرأ أيضاً: موسم اغتيال صلاح

من المهم أيضًا أن يكون حكم محكمة العدل الدولية ملزمًا لأعضاء الأمم المتحدة. وفي حين قد تختار إسرائيل تجاهل أمر قضائي، فإنَّ حلفائها، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، سوف يُنظر إليهم على أنهم متواطئون إذا فشلوا هم أيضاً في تنفيذ الأمر بوقف العدوان.

وستقدم إسرائيل هجوم حماس في 7 تشرين الأول (أكتوبر) كمبرر لعملية "الدفاع عن النفس" في غزة. لكن فريق جنوب أفريقيا سيعتمد على شهادات محايدة من الأمم المتحدة ومنظمات حقوق الإنسان ومنظمات غير حكومية أخرى، تقدم أدلة دامغة على أنَّ الجيش الإسرائيلي ينفذ ما لا يمكن وصفه إلا بأنه إبادة جماعية في غزة، حيث ارتفع عدد القتلى، بعد أكثر من ثلاثة أشهر منذ بدء العدوان، إلى 24 ألف قتيل، بينهم 10 آلاف طفل، وأكثر من 100 صحفي، وأكثر من 60 ألف جريح، فضلاً عن تدمير أكثر من 30 مستشفى. وهناك ما لا يقل عن سبعة آلاف شخص في عداد المفقودين، ويعتقد أنهم ماتوا. وقد تم تسوية أكثر من 70 بالمئة من غزة بالأرض.

إقرأ أيضاً: الجيش السابع الذي تخشاه إيران

عندما تصدر محكمة العدل الدولية حكماً نهائياً، فإن عبء التحرك سيكون على عاتق المحكمة الجنائية الدولية. حتى الآن، لم يذكر المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، سوى القليل عن المذبحة التي وقعت في غزة. لقد أظهر انحيازًا صارخًا لصالح إسرائيل عندما قبل دعوة لزيارة العائلات الإسرائيلية التي عانت في هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) دون أن يفعل الشيء نفسه في غزة.

ليس هناك من شك في أنَّ إسرائيل تتمتع بنفوذ هائل على السياسيين الغربيين، وكذلك على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة. إنها تستخدم معاداة السامية كأداة لقمع وترهيب وتشويه سمعة أولئك الذين يجرؤون على الوقوف ضدها. وستكون محكمة العدل الدولية بمثابة قضية تقف فيها إسرائيل، لأول مرة، كمدعى عليه أمام أهم محكمة في العالم. إن نتيجة هذه القضية يمكن أن تشكل سابقة، مما يفتح الطريق أمام قضايا متعددة في المستقبل، سواء بشكل فردي أو جماعي، لضحايا إسرائيل. والأهم من ذلك أن صدور حكم لصالح جنوب أفريقيا من شأنه أن يجبر المحكمة الجنائية الدولية على التدخل والنظر في ما فعله أو حتى قاله الجنود والضباط والسياسيون الإسرائيليون للتحريض على ما يعرفه الكثير من بقية العالم بالفعل بأنه إبادة جماعية.