فلسطين! ماذا لو تم القبول بالعيش في بلد واحد، وذلك بعد جبر الضرر مع إعادة الحقوق لأصحابها، ومن تم الانخراط في دولة يسودها ويحكمها القانون، مؤطر بالإجراءات الفعلية للمساواة بين الجماعات والأفراد، والطوائف الدينية المتنوعة، المشجعة على التعايش والحوار بين الأديان والثقافات.
آنذاك يمكن للشعب الفلسطيني تحقيق ما لم يحققه منذ سنوات طويلة، عجاف خالية من الحقوق، بل ومؤلمة للأمهات الزوجات والضمير الإنساني ككل... تلك السنوات العجاف، لا يمكن لأحد أن يجادل في جمودها وحزنها، سنوات كانت مؤلمة بكل المقاييس، وخالية من أحقية العيش الكريم، أو أي حق أو مكتسب جديد متعلق باسترجاع الأرض، والعيش السليم في وضع مريح كريم، قابل للاستمرار، من دون حقد ولا كراهية تاريخية أو عرقية، بين مختلف الفئات الاجتماعية والدينية، هذا الحزن وألم الجرح العميق قد يمسي مناقضاً في حالة تم تغيير الأفكار، فيصبح أهل الأرض المقدسة عند كل الأديان، قادرون على استنشاق هوائها وأكل أطيب خيراتها، والتأقلم مع وجدان العيش الجماعي الآمن والمسالم!
إذ أن تحمل ألم مأساة الألم، المرتبط بالماضي الحزين، والتفكير بمنطق المصالح أولاً وأخيراً، عوض التمادي في تقبل سراب ووهم الإتكالية، غير الموضوعية والغامضة الأفق، هذا الأفق المغبون بكثرة الشعارات والتنديدات الموسمية، غير المفهومة بسياقاتها الإقليمية والدولية؛ هذا التمادي في استمرار الصراع، الذي أثبتت مع مرور الزمن، تناقضاً صارخاً بين الأقوال والأفعال، إذ لم يتحقق شيء يبشر بالخير، فقط نضال طويل مليء بالانقسامات والتجاذبات، بين قوى ترعي مصالحها الخاصة قبل كل شيء. فالذي تحقق لحد الآن، يقتصر على التجويع والقتل والقتل المضاد، والكراهية والانتقام... في مقابل ذلك، يتم التغاضي عن التواضع، أمام الحلول الميالة لمنطق العيش المشترك، في واقع يفرض تغليب الحكمة العميقة، المبنية على سلامة الأرض، والإنسان في وطن واحد!
ولعل الديمقراطية الحقيقية، وسيادة القانون، ستمكن أهل تلك البلاد الطيبة، من الوصول والهيمنة على أغلب المؤسسات والمجالس المنتخبة، بحكم نظام الانتخابات الشفافة غير المتلاعب بها، كما يقع في أغلب الدول النامية.
إقرأ أيضاً: الرأس وليس أذرع الأخطبوط
كما باستطاعة الشعب الفلسطيني الجريح، كسب نقط أخرى، من خلال الحصول على التجنيس القانوني! وليس الوقوف ومعارضة العقدة الإسمية التي هي أصلا دينية مشتركة (إسرائيل). علاوة على ذلك، فإنَّ الفلسطينيين سيبقون في أرضهم، وسينعمون بقوة القانون، برفاهية الاقتصاد كباقي المقيمين في تلك الأرض الزكية، مع الإفادة من حكمة وجدان التنوع الديني، العرقي والطائفي، لتلك الأرض المقدسة لجل أتباع الديانات السماوية، فيمسي انتماؤهم للأرض ثابتاً متجذراً، لدولة متنوعة الثقافات والأديان، لها مكانة عالمية، واحترام تام مقدس من قبل أتباع الرسالات السماوية، بالرغم من الاختلاف الجوهري لهذه الطوائف في طبيعة المعتقدات، خصوصاً تلك المتعلقة بالاختلافات العقدية.
الديمقراطية قد تحرج العالم، وتدفع بأهل البلاد التي تتألم (فلسطين) بحكم نتائج الاقتراع المحتملة لرئاسة الدولة وتسيير أمورها المتعددة المشارب. هذا سيشكل بدوره حرجاً للديمقراطيات العريقة، فتضطر تلك الأقطار، والتي تدعي أنها صاحبة الحرية والمساواة الإنسانية للاعتراف بالأمر الواقع، وتسارع لقبول منطق النتائج الديمقراطية التي يحكم فيها القانون والرضوخ له.
إقرأ أيضاً: كيف أحبط الإعلام الرقمي البروباغاندا الغربية
بل والأكثر من ذلك، تسهر بعض الدول على الضغط على الجميع باحترام القانون، والقيم الإنسانية المبنية على التعايش المشترك، تلك الدول والتي تعد من الديمقراطيات العريقة، أو تتمتع بثقل روحي وديني تاريخي عريق، وغيرها من الأقطار المؤثرة، كإنجلترا والولايات المتحدة الأميركية وأستراليا ونيوزلندا والمغرب وفرنسا وماليزيا وتركيا وإيران والإمارات والسعودية وكل من له رغبة في وقف نزيف الصراع الديني القومي العرقي، المهدد أو القادر على العصف بالسلم العالمي.
أما، وواقع الحال، التمني والبكاء والنضال الموسمي، فقد أدى فقط إلى سجن أهل هذا البلد الجريح في قوقعة محدودة، خاضعة للبراغماتية السياسية، والمصالح الاستراتيجية لمختلف القوى الإقليمية والجهوية والعالمية. وأصبحت أرض الأقصى المبارك في خضم هذه التجاذبات، وأمام أصحاب القرار الفاعلة والمسموعة، لقمة سائغة، تتلاعب بها وتتقاذفها رزنامة من الأسرار، والخبايا التي تحاك داخل دهاليز الاستراتيجيات الإقليمية والعالمية. فالحقوق تضيع رويداً رويداً، وبيانات الاستنكار والشجب تتلاشى مع الزمن.
إقرأ أيضاً: هل يسرقون المطر الإيراني
ومع توالي الأحداث تفقد القضية الفلسطينية زخمها، فتصبح ربما مع الزمن في عداد كان يا مكان. تضيع العدالة الأرضية يوماً بعد يوم، ويفقد الأبرياء أرواحهم في الصراع الذي سيبقى أزلياً، كما جاء في الكتب المقدسة! تطمس استقلالية الموقف الفلسطيني، وتمرر الصفقات لا لسبب، إلا لمعاكسة نباهة العقل، والرغبة في تحقيق ما لم يتحقق.
الوضع الحالي يجيب ! حصار، فقر، معاناة، قمع. مقابل التطبيع فوق الطاولة وتحت الطاولة. لذا أيها الفلسطينيون، هبوا إلى العقل قبل العاطفة لعلكم تصبحون أسياداً للأرض، بطرق ديمقراطية وبأفكار جديدة. صفقة القرن ستذهب بذهاب من خطط لها، أو ستزيد الأمور تأزماً، كما ذهبت مشاريع التقسيم في سنتي 1937 و1947، والتي ساهمت في تأزيم الصراع طويلاً، بحيث ساهم العناد في ضياع فلسطين بكاملها!
إقرأ أيضاً: "القوات الوكيلة": أداة النظام الإيراني لترويج الحرب وخلق الأزمات!
سلامي لمن يحب الخير لأهل فلسطين والأمن والأمان لكافة الأديان في أرض الأقصى المقدسة، أرض مهد الأنبياء، وموطن نزولهم في يوم معلوم، عند خالق هذا الكون الغريب والعجيب. شكرا لكل من يسعى لعقلنة فلسطين، والاعتراف بالأمر الواقع، المؤكد لمحدودية الشعارات، ووهم التنديدات الدورية، غير الفعالة، لا للأرض ولا لسكان أهلها، الذين فرقتهم الاديولوجيات الضيقة، المتنافرة غير الواقعية والبعيدة عن منطقية الوحدة القومية!
فلسطين أرض زكية، وبراءة أهلها أزكى من سياسة تتقاذفها الأمواج في مسارات مجهولة!
التعليقات