لفتتني صور بغيضة صاحبت المباراة الفاصلة بين العراق والأردن، والتي خرج فيها المنتخب الأردني فائزاً بثلاثة أهداف مقابل هدفين التي جرت ضمن دور الـ16 من كأس أمم آسيا. تلك الصور في الواقع لا تليق صراحة بجمهور كبير وعريق مثال الجمهور العراقي المصاحب لمباريات المنتخب الوطني أينما حل، والمشجع له... ذاك الجمهور الذي خرج من عقاله، وفرّط حقيقة بسمعة الكرة العراقية، وأساء لها من قبل شرذمة مدسوسة تنادي بالفوضى والطائفية البغيضة التي لم تعد تنطلي على أحد، ولم يقف عندها مكتوف الأيدي مجاملاً من يُناصرها، بل صارت لا تليق بمن يأخذ بها، ويكرّسها ويَنسبها لعَمر أو زيد من الناس.

ما رأينا في شوارع الدوحة، وفي سوق واقف الشهير في العاصمة القطرية، على وجه التحقيق، يشير إلى خلل كبير بالمفهوم الطائفي، وإهانة حقيقية لكرة القدم العراقية المعروف عنها على أنها بعيدة كلياً عن أمثال هذه الخزعبلات التي لا تليق بسمعتها.

كان موقف الجمهور العراقي عدائياً وغريباً حيال الفريق الأردني الشقيق، لمجرد أن تغلب عليه في مباراة رياضية، فهل من اللائق أن تصل النتائج إلى ما يُحمد عُقباه! صراخ وبأعلى الأصوات تنادي انتقاماً من اللاعبين الأردنيين لمجرد نتيجة مباراة الكل بالنهاية خاسر فيها، وإن صعد المنتخب الأردني الذي اجتهد ونال الفوز ونقاط المباراة تاركاً المنتخب العراقي يَجرُّ ذيول الخيبة!

المدرجات احتضنت الجماهير العراقية المواكبة للمباراة بعبارات طائفية بغيضة، ولأول مرة تشهدها ملاعب الكرة لا في الدوحة فحسب، ممثلة بالجمهور العراقي، وإنما في ملاعب الكرة بالمجمل، وهذا ما دفع الجمهور إلى أن يأخذ موقفاً غريباً من أهله وأصدقائه الجماهير الأردنية، التي بدورها كان لها حضورها في تلك المباراة التي لعبها فريقها، وكسبها والصعود إلى الدور الثاني. كان الجمهور العراقي مشحوناً بشكل لافت، وخسارة الفريق الأول أمام الأردن كانت قاتلة، هكذا يظنون.

إقرأ أيضاً: طوفان الأقصى أم طوفان سليماني؟

الشعارات الطائفية والسياسية التي نادى بها الجمهور العراقي بعد الانتهاء من المباراة أثارت غضب الجميع، تلك الجماهير العراقية التي تابعت مشوارها، وحط رحالها وهي تصرخ وتستغيث وتئن وبأعلى صوتها مثيرة الشغب في أرض عربية لم تعرف أمثال هذه الصور الفظيعة المخجلة، صور صراحة مفزعة ومثيرة للجدل، وإطلاق شعارات مخيبة للآمال بقولهم: "يا أردني يا أردني.. باجر نسبيكم سبي"، أي أننا سنفعل بكم ما لا يخطر على بال أحدكم!

التحريض الطائفي المخزي، والألفاظ النابية البذيئة التي تفوّه بها الجمهور العراقي متوجهاً بها إلى الجمهور الأردني أثارت الحنق في الشارع الرياضي القطري، وكل من شاهد وتابع، وعن كثب، تلك التصرفات المشينة، وفي نهايتها خرج المنتخب العراقي خالي الوفاض خاسراً. هي نقطة نظام كنا نأمل أن يتقبلها الجمهور العراقي بروح رياضية، فالرياضة، وكما هو معروف "ليست جني كؤوس، وإنما ـ قبل كل شيء ـ تربية نفوس".

إقرأ أيضاً: المغرب والسعودية... أمل الجماهير العربية

الكل يعرف ويدرك تماماً أن سوق واقف الشعبي يُعد معلماً سياحياً مهماً في دولة قطر، ومن غير اللائق أن تصل الحال بالجمهور العراقي، المرافق والمشجّع لفريقه أن يخرج عن العرف الرياضي، وينادي بالطائفية التي جرّت العراق إلى الدمار طوال سنوات مضت! نعم إلى الخراب، وها هي اليوم تنخر في الجسد العراقي الذي لم يتعافَ منذ سنوات.. وما زال يعيش في المجهول في القادم من الأيام.

ونشير في هذا السياق، إلى أن سوق واقف يشتمل على حضور شعبي، وطالما يزوره الكثير من السياح، ويهتم ببيع التحف الأثرية، والمشغولات اليدوية التراثية، وهو قبل كل شيء سوق عالمي بامتياز، لما له من أهمية ومكانة لدى أهل قطر وضيوفهم وحتى زوارها وما أكثرهم، مرحبين بما تحقق على أرضها من قفزة عملاقة، ونهضة عمرانية شاملة من حق العرب أن يفاخروا ويعتزوا بها.

إقرأ أيضاً: هل يستحق الكردي الموت؟

وأشار الكثير من زوار السوق إلى أن ما صدر عن الجماهير العراقية المحتشدة مرفوض تماماً في البطولة الأممية التي احتضنتها الدوحة وبحب كبير، ووفرت لها مقوّمات النجاح، حتى بات الجمهور العراقي يتغنى بشعارات زائفة، بغيضة ملونة يرفضها الشارع الرياضي عن بكرة أبيه. تلك الشعارات التي سبق أن صدرت من قبل جماهير تساند المنتخب العراقي، محاولةً إثارة الفتنة والغضب. تلك الشعارات التي لا يتقبلها الشارع العربي بالمطلق، وما رأيناه ينمّ عن غياب الوعي عن أمثال هذه الشريحة التي أساءت حقيقة للكرة العراقية النظيفة، وإلى جماهيرها التي لم يسبق لها أن ظهرت بمثل هذا الصورة غير اللائقة. فالإساءة أصابت الجماهير العراقية في الصميم، فضلاً عن المتابعين للبطولة الآسيوية التي ضخّت لها حكومة قطر الملايين من الدولارات بهدف إنجاحها، والكرة العراقية على مدى تاريخها الطويل لم تعرف أمثال هذه الخزعبلات التي أضرّت بسمعتها، في الوقت الذي التي كنا نتأمل منها أن تكون في مقدمة البلدان العربية، في سبيل تحقيق الطموح والرغبة التي تنشد في البحث عن اعتلاء منصات التتويج، والبحث عن الفوز الذي يليق بها وبنجومها وبتاريخ العراق الرياضي الكبير... وهذا ما كنا نتأمل منها.