عندما بدأ تداول مقولة "العالم قرية صغيرة"، تبنى هذه المقولة عبقري البرمجيات الغني عن التعريف بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت للبرمجيات ومبتكر برنامج "ويندوز"، كتعبير عن أنَّ العالم بات بين يدي الجميع ممن يستخدمون برنامجه وشبكة الإنترنت.

في بداية الألفية، وبالتوازي مع الأزمة الاقتصادية العالمية آنذاك التي أطاحت بدول عدة اقتصادياً، وما زال البعض يدفع ثمنها حتى يومنا هذا، قال مدير بنك أميركي كان يعمل أيضاً محللاً اقتصادياً في "بلومبرغ" مقولة ما زلت أذكرها حتى الآن وهي "العالم كله سوف يتأذى بسبب هذه الأزمة"، وبعد فترة من مقولته هذه أوردت "نيويورك تايمز" خبراً محزناً مفاده العثور على جثته مهشمة، بعدما انتحر رامياً بنفسه من نافذة شقته هو الذي استثمر كل أمواله في البورصة ولم يتحمل صدمة الخسارة.

بعدها جاء الوباء الذي جعل العالم كله من مشرقه حتى مغربه مسجوناً بين أربعة جدران، بسبب مدينة صينية صغيرة خرج منها وباء مخيف تفشى بلمح البصر إلى كل الأقطار، وبقينا مسجونين أكثر من عامين ننتظر الفرج من رب السماء، حتى جاء اللقاح "السحري" المنقذ، وتهافت كل بني البشر للحصول عليه أملاً باستعادة حريتهم أخيراً.

لم ننته من وباء كورونا وتداعياته حتى اندلعت الحرب الروسية الأوكرانية، وقد نكون بعيدين جغرافياً عن هاتين الدولتين، لكننا تأثرنا بارتفاع أسعار النفط ومشتقاته، ومعها شحنات القمح والحبوب، وباتت دول العالم منقسمة بين داعم لروسيا قلباً وقالباً، ومن يرى أن أوكرانيا ضحية تحاول الدفاع عن نفسها جراء عدوان تعرضت له.

العالم، إذاً، "قرية صغيرة"، وبالرغم من الطفرة التكنولوجية المذهلة والنمو الاقتصادي المتصاعد والأحداث المتسارعة التي تحيط بالعالم بأسره هنا وهناك، إلا أن أي ضربة مهما كانت صغيرة باتت تسقطنا أرضاً.