منذُ نشأة ما يُسمّى (دولة إسرائيل) على أرضِ فلسطين عام 1948، بِدعم من بريطانيا الاستعماريّة، منذ ذلك التاريخ والشعب الفلسطينيّ يعيش في جحيم الاحتلال الغاصب، قتلاً وجرحاً وتسجيناً وتعذيباً وتشريداً... حيثُ أصبح الملايين من الفلسطينيين في الشتاتِ لاجِئينَ في بلدانِ غير بلدهم، يعيشون في مُخيَّماتٍ تفتَقِر لأبسط مُستَلْزَمات الحياة.

ومنذُ ذلك التاريخ والفلسطينيّون يتعرّضون لأبْشع أنواع الإذلال والتّنكيل من طرف المُحتلّ الإسرائيليّ إلى اليوم: تهديم للبيوت، وتقتيل واعتقال للشباب وتعذيبهم في السجون، بالإضافةِ إلى اغتيال قادة المُقاومة، وبناء مستوطنات يهودية وإنشاء الجدار العنصري والطرُق الالتفافيّة مع إنشاء حواجز إسمنتية وتقسيم البلدات الفلسطينيّة من أجل عرقَلة تَنقُّل المواطنين قَصْداً، وتفتيش الفلسطينيّين في هذه الحواجِز.

وللإشارة، فقد أصدر مجلس الأمن الدولي العديد من القرارات في شأن تسوية القضية الفلسطينية، إلّا أنها لم تعرف سبيلها إلى التنفيذ، ومن هنا، وَجَبَ طرح سُؤالٍ عريض: ما هي الجهات التي تُعرقِل عمل هذه "المُنظَّمة" التي يُقال عنها "دوليَّة"، وما الهدف من تعطيل عملها؟

وها هي إسرائيل اليوم تقوم بإبادةٍ جماعيّة للشعب الفلسطينيّ في غزة، قتلى وجرحى بالآلاف في صفوف المدنيّين العُزَّل الآمنين في بيوتهم، مُعظمهم من الأطفال والنساء والشيوخ، و"المجتمع الدوليّ" يتفرّج في أبشع الجرائم الإنسانيّة في تاريخ البشريّة.

إن المُقاوَمة الفلسطينيّة في غزة وعلى رأسِها حركة حماس، تُواجهُ أعتى جيوش العالم المُدَجَّجة بأحدث الأسلحة من طائرات ودبّابات وصواريخ وغيرها من الأسلحة الأميركيّة، لقد كبَّدت المُقاومة الفلسطينيّة "الجيش الذي لا يُقهَر" خسائرَ فادِحةً في أرواح الجنود وعتادهم الحربيّ؛ خسائر جسيمة جدّاً لا تُصرِّح إسرائيل إلّا بالقليل منها حتّى لا ينتفِض المُجتمَع الإسرائيليّ ويَثور على المسؤولين السياسيّين والعسكريّين، الذين كانوا السبب في الدّخول في حرب لا تنتهي، وهم يُدرِكون حقّ الإدراك أنّهم لا يستطيعون القضاء على حركة حماس وفصائل المُقاوَمة الأخرى، ولو استمرّت الحرب لِسنوات.

لقد انهَزمت إسرائيل أمام حماس لا شكّ في في الأمر، إلّا أنّها لا تَبوحُ بذلك، ويتّضِحُ ذلك من خلال تصريحات مسؤوليها السياسيّين والعسكريّين، تصريحات مُتناقِضة كلّها أكاذيب مفضوحة لا صِلَةَ لها بالواقع، تصريحاتٌ في ظاهِرها الانتصار وفي باطِنِها الانهزام الذريع.

رغم كل التصريحات والتحليلات السياسية والعسكرية التي تأتي من هنا وهناك، فإنّ الهدف الرئيسيّ والأساسيّ من هذه الحرب الشعواء واضح وجَلي لا لُبسَ فيه.

إقرأ أيضاً: الفساد المُتجَذِّرٌ في دول العالَم الثالِث

إنّ هدف إسرائيل وأميركا والدول الغربية من هذه الحرب هو الإبادة الجماعيّة لِلفلسطينيّين والقضاء عليهم وتشريد ما بقي منهم على الحياة خارج وطنهم فلسطين، من أجل ترسيخ أركان "الدولة اليهوديّة" بالاستيلاء على كل أرض فلسطين، لتكون خاليَةً إلا من اليهود.

كلّ ما تقوم به منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدوليّ والمنظمات الحقوقيّة والإنسانيّة وكل ما يقوم به القضاء الدولي تجاه إسرائيل هو أشبه بمسرحيات، البطل فيها أميركا والدول الغربيّة التي تعمل جاهِدةً في تحقيق هدفها الرئيسي، من وراء هذه الحرب الهمجيّة، أَلا وهو قيام "دولة إسرائيل" آمِنَةً ومُستقِرّة ومتينة البنيان وثابِتة الأركان.

إقرأ أيضاً: قرار مُجحف في حقّ الفلسطينيّين

ولكنّ في ظلّ الأوضاع المزرية الحالية التي يعيشها الجيش الإسرائيلي في غزة، جرّاء بسالَة رجال المُقاوَمة وأساليبهم ومنهجيتهم في القتال، يستحيل أن تُحقِّق إسرائيل وأميركا والغرب هدفَها الذي خطّطت له وأعدَّت له كلّ الإمكانيات العسكرية واللوجيستيّة والاستخباراتية وغيرها.

لا يُمكن لإسرائيل وأميركا والغرب الخروج من وَحَل غزة إلّا بالرضوخ لشروط حركة حماس، بوقف الحرب وانسحاب الجيش الإسرائيلي من غزة وفتح جميع المعابر لإدخال المساعدات لأهالي غزة وإعادة إعمار ما دَمّرتهُ الآلة الحربيّة الإسرائيلية.