قبل سنتين، وعلى هامش قمة المجموعة السياسية الأوروبية في براغ، لم يستبعد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إمكانية عقد لقاء مع الرئيس السوري بشار الأسد لغرض إعادة تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا. كانت تلك التصريحات بمثابة إشارة واضحة من قمة السلطة تؤكد قناعة تركية بأن التعاطي مع الملف السوري يجب أن يأخذ بعين الاعتبار السياقات والتغيرات الجيواستراتيجية بعد الانفتاح الخليجي والعربي على نظام الأسد، وفشل جولات جنيف وأستانة وسوتشي في فرض المنطق التركي في شمال سوريا. ومع ذلك، لم تجر الأمور كما كان متوقعاً نظراً لغياب إشارات إيجابية قوية من قصر الشعب في دمشق.
كان الأسد واضحاً وصريحاً فيما يتعلق بالنشاط العسكري التركي في شمال سوريا باعتباره انتهاكاً للسيادة السورية، وعدم بناء أي فرصة لتعاون حقيقي مع الجانب التركي الذي يحاول فرض الواقع في شمال سوريا وفقاً لما يتطلبه الأمن القومي التركي. كانت المفاوضات بالنسبة إلى نظام الأسد وسيلة لكسب الوقت لتحسين الوضع العسكري في العمق السوري، وبالفعل نجح في ذلك بينما بقيت الهواجس الأمنية التركية مستمرة حتى اليوم.
نجحت وساطة روسيا لسنوات عبر الحيل التفاوضية في تعطيل أي عملية سياسية تهدف إلى أن تكون على حساب نظام الأسد. ومع ذلك، حاولت روسيا الحفاظ على توازن العلاقات مع أنقرة، وقدمت وساطتها التي مكنت من تحقيق أول اختراق في مسار عودة العلاقات بين البلدين. استضافت لأول مرة منذ اندلاع الحرب السورية لقاءً جمع وزراء الدفاع ورؤساء أجهزة الاستخبارات لكل من روسيا وتركيا وسوريا في كانون الأول (ديسمبر) 2022 حيث تم مناقشة سبل حل الأزمة السورية. ثم أعقب ذلك لقاء رسمي آخر بين وزيري خارجية تركيا وسوريا، ويمكن وصفه بالخطوة الأساسية في مسار إعادة تطبيع العلاقات بين البلدين. من المتوقع أن يبدأ اجتماع بغداد المرتقب من نقاط الاتفاق التي تم التوصل إليها في اجتماع مولود جاويش أوغلو وفيصل المقداد في موسكو العام الماضي.
إقرأ أيضاً: لغم أميركي في طريق الصين نحو أوروبا
صحيح أن إمكانية عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض تخدم أردوغان لأنها قد تسرع من خطة الانسحاب الأميركي الكامل من شمال سوريا، وبالتالي تفتح الباب لإقامة منطقة آمنة خالية من وحدات حماية الشعب الكردية وحزب العمال الكردستاني، وتزيد الضغوط على قسد لأنها ستفقد دعم واشنطن. ومع ذلك، من غير المضمون أن تبقى العملية العسكرية التركية موجهة فقط ضد وحدات حماية الشعب وقوات قسد وحزب العمال الكردستاني، وألا تتحول إلى صدام مع إيران وروسيا وسوريا. هل خيار العودة إلى ما قبل عام 2011 خيار يضمن لتركيا حماية أمنها القومي بأقل الأضرار؟ لا أعتقد أن أردوغان يقصد شيئاً آخر عندما قال "سنعمل معاً على تطوير العلاقات مع سوريا بنفس الطريقة التي عملنا بها في الماضي".
إقرأ أيضاً: هل سيرمي بوتين بعود ثقاب آخر في الشرق الأوسط؟
الدافع المشترك في تفكيك قوات سوريا الديمقراطية (قسد) يجب أن يتجاوز جميع النقاط الكبيرة والصغيرة بين تركيا وسوريا. من غير المحتمل أن يكون اجتماع بغداد مكاناً مناسباً للحديث عن التسوية السياسية أو العودة إلى الحلقة المفرغة لجولات أستانة. الجانب التركي ليس ذاهباً إلى بغداد لتقديم محاضرة في حقوق الإنسان والديمقراطية، ولا السوري مستعد لسماع ذلك. يجب أن يكون الغرض من هذا الاجتماع هو بحث توصل إلى صيغة توافقية لتنسيق عسكري في شمال سوريا ضد قسد، ولكن لنجاح هذه الصيغة يتطلب من الجانب التركي تلبية المطالب السورية المتعلقة بالسيادة السورية دون شرط آخر.
رسائل الود الأخيرة بين النظامين التركي والسوري كانت كإعلان حرب بالنسبة للأطراف المستفيدة من الوضع الأمني في الشمال السوري منذ بداية الأحداث في سوريا. لذلك، ليس من الصعب تحديد هوية الجهات المحركة لأعمال العنف في ولاية قيصري التركية، ومن غير المستبعد أن تقف هذه الجهات نفسها وراء هجمات إرهابية قد تحدث داخل تركيا لتفسد موسمها السياحي، حيث يكون الهدف الأساسي هو إيصال رسائل تحذيرية.
التعليقات