كان من حق خامنئي والآخرين من قادة ومسؤولي النظام الإيراني أن يستمروا في دعواتهم المتمادية في تکرارها من أجل المشارکة الشعبية في الانتخابات الرئاسية في إيران لاختيار خلف لإبراهيم رئيسي، لا سيَْما بعد الفشل الذريع الذي حظيت بها الجولة الأولى من هذه الانتخابات والتي جسدت في الحقيقة مقاطعة شعبية تؤکد عدم الثقة بها وبنتائجها!

خامنئي الذي لم يكف عن حث وتحفيز الشعب الإيراني للمشارکة في هذه الانتخابات، حاول بعد الفشل الکبير للجولة الأولى أن يغري الشعب بالتوجه لصناديق الاقتراع من خلال الربط بين تقدم إيران وبين المشارکة في الانتخابات، ومن الواضح جداً أنَّ الشعب الايراني يتهکم على هذا الربط غير الصحيح والأبعد ما يکون عن الواقع، لا سيما أنَّ الرئيس الإيراني ليس في حقيقة أمره سوى دمية إلى جانب دميتي رئاسة مجلس الشورى ورئاسة مجلس القضاء، يحرکها خامنئي کيفما يريد ويشاء!

الانتخابات في إيران بصورة عامة في ظل نظام ولاية الفقيه في إيران، أثبتت الاحداث والتطورات الجارية منذ 45 عاماً أنها ليست إلا مسرحية يقوم بها النظام من أجل التغطية على حقيقته الثيوقراطية المخالفة والمتناقضة للحرية والديمقراطية، وقد صار الشعب الإيراني يعلم جيداً ما يقوم به مجلس صيانة الدستور التابع وبصورة ذيلية لخامنئي إلى جانب الغرف الخاصة التي تتابع مجريات مسرحيات الانتخابات وتعمل على إخراجها بالصورة التي ترضي وتقنع الشعب الايراني أولاً والعالم ثانياً.

إقرأ أيضاً: صرخة برلين: كفى استرضاءً للنظام الإيراني

لم تعد الطرق سالکة کما کانت من قبل لإجراء الانتخابات بالصورة التي أعد وخطط لها النظام، لا سيما أنَّ دعوات مقاطعتها لم تعد مجرد دعوات صورية أو من أجل تحقيق أهداف وغايات محددة، بل إنها دعوات يلمس فيها الشعب الايراني المصداقية الکاملة ويثق بها ثقة کبيرة جداً، ولا ريب في أنَّ تظاهرة عشرات الآلاف من الإيرانيين في العاصمة الالمانية برلين في 29 حزيران (يونيو)، أي بعد يوم واحد فقط على إجراء الجولة الأولى من الانتخابات، شهدت هتافات المشارکين بشعارات تندد بالانتخابات وترفضها جملة وتفصيلاً، ومن المهم جداً هنا الأخذ بنظر الاعتبار أن المتظاهرين لم يأتوا من کوکب آخر، بل ‌هم إيرانيين أباً عن جد، وهم مرتبطون بواقعهم الإيراني ويعتبرون امتداداً واقعياً للشعب الإيراني، ويعتبرون جزءاً لا يتجزأ منه، ولذلك فإن رفضهم للانتخابات ليس برفض طارئ أو بمعزل عن الشعب الإيراني، بل هو ذات الرفض الکامن في نفس وقلب وعقل کل إيراني، إذ لم يعد سراً أنَّ الشعب الايراني، وبعد کل هذه الانتفاضات العارمة ضد الاستبداد الديني والسجن والتعذيب والاعدامات، صار النظام يعلم بأن المواجهة بينه وبين الشعب الإيراني قد أصبحت على المکشوف، وأن الانتخابات الحالية وسابقتها التي جرت خلال الأعوام السابقة صارت تؤکد أن هناك شرخاً وفجوة کبيرة جداً بين النظام وبين الشعب الإيراني، ولا يمکن ردمها إلا بتغيير هذا النظام جذرياً، وهذه هي الحقيقة الدامغة التي تثير جزع خامنئي ونظامه وتجعله يدرك جيداً أنَّ اللعبة قد أصبحت في نهايتها.