يوم الجمعة، الخامس من تموز (يوليو)، أُجري في إيران ما يُسمّى "انتخابات الرئاسة"، وتم انتخاب مسعود بزشكيان كرئيس ظاهري. يُظهر هذا الحدث، في ظاهره، فوز الجناح الإصلاحي، لكنّ يكشف في واقعه الوجه الحقيقي لنظام لا يميز بين إصلاحي وأصولي حتى في أعلى مستوياته. بزشكيان، بسجل طويل في خدمة نظام ولاية الفقيه وتنفيذ سياسات قمعية، هو مثال بارز لهذه الحقيقة المرّة.
ولد مسعود بزشكيان في 7 تشرين الأول (أكتوبر) 1954 في مهاباد. أنهى تعليمه الابتدائي في مهاباد وحصل على دبلوم في الصناعات الغذائية من معهد الزراعة في أورمية. بعد الخدمة العسكرية في زابل، التحق بكلية الطب في جامعة تبريز عام 1975. مع انتصار الثورة الإسلامية، سارع بزشكيان للانضمام إلى الأيديولوجية الحاكمة الجديدة ولعب دورًا نشطًا في مواجهة الجماعات المعارضة، خاصة مجاهدي خلق، من خلال تأسيس الجمعية الإسلامية لطلاب كلية الطب.
في 27 تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، اعترف بزشكيان بدوره في قمع النساء والطلاب قائلاً: "في بداية الثورة كنت مسؤولاً عن التطهير. قبل أن يصبح الحجاب قضية، فرضتُ الحجاب في المستشفيات والجامعات. نحن من أغلقنا الجامعات وبدأنا الثورة الثقافية". هذا الاعتراف يكشف أن بزشكيان لم يكن فقط منفذًا للسياسات القمعية، بل كان رائدًا في تنفيذها.
الثورة الثقافية، التي بدأت بأمر مباشر من آية الله خميني في 13 حزيران (يونيو) 1980، تُعتبر واحدة من أظلم فترات التعليم العالي في إيران. بزشكيان، الذي كان أحد الفاعلين الرئيسيين في هذه الحركة، لعب دورًا في الهجوم على الجامعات وقمع الطلاب والأساتذة المعارضين. أُغلقت الجامعات لمدة ثلاث سنوات (من 1980 إلى 1983) وتم طرد الآلاف من الأساتذة والطلاب. ألحق هذا الإجراء ضررًا لا يمكن تعويضه بنظام التعليم العالي في البلاد واستمرت آثاره الضارة، مثل انخفاض جودة التعليم وهجرة العقول، حتى اليوم.
الحجاب الإجباري، الذي يفتخر بزشكيان ببدء تطبيقه في الجامعات والمستشفيات، أصبح أحد الرموز الرئيسية لقمع النساء في النظام الإيراني. استمرت هذه السياسة المناهضة للمرأة بقوة في عهد جميع الحكومات التي تُسمّى بالإصلاحية والأصولية وتطورت تدريجياً إلى نظام قمعي متعدد الطبقات كان رمزه الرئيسي هو "دوريات الإرشاد". تأسّست دوريات الإرشاد في عام 2005، وأصبحت أداة لممارسة العنف ضد النساء.
إقرأ أيضاً: وفاة رئيسي تشلّ مشروع خامنئي
بلغ القمع المنهجي ذروته في عام 2022 بمقتل مهسا أميني، الفتاة الكردية الشابة، على يد قوات دوريات الإرشاد. أشعل هذا الحدث شرارة انتفاضة واسعة استمرت قرابة عام. خلال هذه الاحتجاجات، قُتل حوالى 750 شخصًا على يد قوات النظام القمعية، وأصيب الآلاف، واعتُقل أكثر من 30 ألف شخص، وأُعدم عدد منهم. تُعدّ هذه الفظائع نتيجة مباشرة لتفكير وثقافة رجعية يفتخر بها بزشكيان ويعتبر نفسه رائدًا فيها.
خلال فترة الحرب الإيرانية العراقية، لعب بزشكيان دورًا مزدوجًا. كان حاضرًا كطبيب وحارس في الجبهات، وكان مسؤولًا عن إرسال الفرق.
في نهاية المطاف، يُظهر انتخاب مسعود بزشكيان كرئيس جديد لإيران ضعف خامنئي وعدم قدرته على السيطرة على الوضع الداخلي للنظام. هذا الاختيار يعكس أزمة القيادة العميقة في الجمهورية الإسلامية ويؤكد على تفاقم التحديات التي يواجهها النظام.
إقرأ أيضاً: نهاية العصر الذهبي لخامنئي
المجتمع الإيراني، الجالس على برميل بارود من الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي لا علاج لها في ظل هذا النظام الرجعي المتطرف، يشهد تصاعداً في التوترات والاضطرابات. الفساد المستشري يزيد من تعقيد المشكلات ويعزز السخط الشعبي، مما يخلق أرضية خصبة لتشغيل شرارة انتفاضة جديدة.
هذا النظام لا يعرف سوى الحفاظ على الحكم بأي ثمن، معتمدًا على عمودين رئيسيين: القمع في الداخل وتصدير الإرهاب وتأجيج الحروب في المنطقة. غزة هي أحد الشواهد البارزة على هذه السياسة العدوانية. استمرار هذه السياسات القمعية والعدوانية يشير إلى أن النظام يفتقر إلى أي رؤية لحل الأزمات المتراكمة، مما يعزز احتمالات الانتفاضات الشعبية التي تهدد بقاءه.
التعليقات