هل يشعر الغرب أنه قد تورط بصنع الكيان الإسرائيلي، ووضعه في بلاد العرب؟ ربما لو أن الغرب قد أوجده في أي مكان آخر من العالم، لما انشغل لأكثر من 70 عامًا في محاولة إبقائه حيًا يتنفس. فليس كل الأمم لديها هذا الباع الطويل في القتال كما الأمة العربية. فهل أصبح مشروع إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين لعنة على من اقترحه وأيده؟ وهل أخيرًا سيتخلى الغرب تمامًا عن هذا المشروع ليتركه يواجه مصيره وحده، بعد أن تمادى في إثبات شرعيته الملفقة؟

يبدو أنَّ إسرائيل وحكومتها المتطرفة في غالبيتها، أصبحت تشكل خطرًا على الغرب كما على نفسها ومن حولها. فقرار إسرائيل القاضي بمنع الأمين العام للأمم المتحدة من دخول إسرائيل ووصفه بمعاداة السامية، وإدانة قرار فرنسا بحظر بيع السلاح لإسرائيل، ومحاولة المشاغبة بالامتناع عن الانصياع لأوامر الولايات المتحدة، كلها أمور حديثة العهد على إسرائيل، لم يسبق أن فعلتها، بل لم يسبق لها أن أصبحت ندًا لأميركا والغرب نفسه.

كثيرًا ما يصنع المرء بعبعًا ليخيف به الآخرين، فيصبح هو من يخاف منه في نهاية المطاف. هذه واحدة من حكايات الأساطير، إلا أن ما يحدث حاليًا على أرض الواقع يثبت أن علاء الدين وذلك الفانوس السحري عندما أخرج المارد من قمقمه، كان يعتقد أن المارد سوف يخدمه ويلبي رغباته. إلا أن المارد تمرد وأصبح يخدم ذاته ويخالف إرادة علاء الدين نفسه الذي أوجده. وهذا ما جعل علاء الدين يتمنى لو لم يجد الفانوس أصلًا، لأن المارد قد لا يتوانى عن إيذائه إن تخالفت بينهما المصالح.

إقرأ أيضاً: الأردن يتنفس الصعداء

ما كان وعد بلفور يراد به هذه المجازر التي تحدث في فلسطين ولبنان والدول الأخرى، بل كان الهدف من الوعد المشؤوم هو التخلص من اليهود في أوروبا ورميهم في أي بقعة من العالم. وكان هناك خيارات عدَّة غير فلسطين، إلا أن الصهيونية العالمية المتكئة على أساطير توراتية قد نحَت بالقرار إلى فلسطين التاريخية. وكان الهدف لمّ شتات اليهود في العالم كي يعيشوا في ما سُمّي بأرض الأجداد، وخدمة لمشروع غربي فشل في حروبه الصليبية قبل ألف عام في السيطرة على بيت المقدس. فكان الهدف أن يبقى للغرب موطئ قدم في البلاد المقدسة، إلا أن تمرد إسرائيل وتعنتها في خدمة الغرب جعل منها عبئًا ثقيلًا على من أوجدوها. ولذا، يعتقد الكثير من المراقبين أن هذا الكيان المصطنع آخذ في إفناء نفسه، لأنه مكروه في البلاد العربية بالأصل، وأصبح مكروهًا في الغرب أيضًا.

إقرأ أيضاً: هكذا فشلت الشيوعية

إذًا، على أصحاب الأرض الأصليين ومن يحيط بهم، أن يقتنعوا تمامًا بأن من زُرع سوف يزول، لأنَّ جذوره غير موثقة بالأرض، وأن عمره الافتراضي شارف على الانتهاء. وأن فرنسا قد زالت من الجزائر بعد مئة وثلاثين عامًا، فليس غريبًا أن تزول إسرائيل.