يمثل الصراع بين إيران وإسرائيل خيارًا واضحًا بين وجهتي نظر متعارضتين داخل السلطة الإيرانية: خيار التطرف وخيار العقلانية. هذا الصراع لا يقتصر على القضايا السياسية والعسكرية المباشرة فحسب، بل يتجاوزها ليشمل خلافات أعمق حول العقائد والأهداف الاستراتيجية. ورغم إبداء إيران رغبة في فتح فصل جديد من العلاقات والمحادثات مع واشنطن، تعتبر المفاوضات مع الغرب غير مجدية لإقناع طهران بإمكانية تغيير وجهات النظر الغربية – وخاصة الأميركية – فيما يتعلق بالقضايا الإقليمية والعالمية المتصلة بأهدافها الاستراتيجية.
وقد عكس الاجتماع بين الرئيس الإيراني مسعود بزیشکیان وتريتا بارسي، الأكاديمي والسياسي الأميركي من أصل إيراني، أثناء توجهه إلى نيويورك، مدى عمق هذه التحديات. فشل هذا اللقاء في تقريب وجهات النظر أو تحقيق تطلعات الجانب الإيراني نحو انفراجة دبلوماسية. وبارسي، الذي يعد أحد أبرز ممثلي "اللوبي الإيراني" في الإدارة الأميركية، والمطلع على عملية صنع القرار داخل وزارة الخارجية والبيت الأبيض، لم يتمكن من جسر الهوة بين الجانبين.
لم يكن مفاجئًا أن يصف الرئيس الإيراني الإصلاحي العلاقة الغربية (الأميركية والأوروبية) بالمخادعة، حيث أظهرت مرونة مبدئية دون اتخاذ خطوات عملية لرفع العقوبات الاقتصادية أو تقديم ضمانات حول الحد من تصعيد الأوضاع في الشرق الأوسط. وقد تأججت هذه التوترات إثر عملية أمنية نفذتها إسرائيل، مستهدفة رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، إسماعيل هنية، والأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ضمن سلسلة من الاغتيالات التي تنتهك السيادة الإيرانية وتزيد من تعقيد الوضع الإقليمي.
في الداخل الإيراني، يقود الرئيس وفريقه المختار بعناية مسارًا دبلوماسيًا يعارضه تيار داخلي يتبنى مواقف أكثر تشددًا، داعيًا إلى تكتيكات تصعيدية لمواجهة المشاريع الإسرائيلية التي يراها هذا التيار تهديدًا للمصالح الإيرانية. هذا التوتر الداخلي أدى إلى تصعيد معسكر التشدد، مما يعزز الدعوات لمزيد من الحزم في مواجهة السياسات الإسرائيلية والأميركية.
إقرأ أيضاً: ذكرى استفتاء استقلال كردستان: التحديات والفرص الجديدة
من جانب آخر، يبدو أن التصعيد الإسرائيلي الأخير يتجاهل الرسائل الإيجابية التي حملتها مواقف الرئيس الإيراني، ليركّز بدلاً من ذلك على توفير الغطاء العسكري والسياسي للعملية الإسرائيلية ضد قادة حزب الله. وفي الوقت الذي تدعو فيه بعض الأطراف الدولية إلى وقف إطلاق النار في غزة، تُصر إسرائيل على رفض أي اتفاق مماثل، مما يزيد من تعقيد الأوضاع في المنطقة ويقلل من فرص التهدئة.
وفي ضوء هذه التطورات، تزداد التحديات الداخلية لإيران، حيث يزداد القلق داخل النظام من أن المواقف الأميركية والإسرائيلية قد فسّرت مرونة إيران بشكل خاطئ، باعتبارها ضعفًا أو قبولًا ضمنيًا بالتفاوض مع ما تعتبره عدوًا. هذه التصورات دفعت تيار التشدد إلى دعم توجيه ضربات عسكرية، تمثلت في عملية "الوعد الصادق 2"، التي أطلقت خلالها إيران نحو 250 صاروخًا باليستيًا على إسرائيل ردًا على اغتيال قادة من حزب الله وحماس وقائد الحرس الثوري الإيراني، عباس نيلفوروشان.
إقرأ أيضاً: التقارب التركي السوري وتأثيره على دور الكرد إقليمياً
يمثل هذا الرد العسكري محاولة للحفاظ على مكاسب إيران في الصراع المستمر مع إسرائيل، ويأتي في إطار ما وصفه وزير الخارجية الإيراني بـ"كسر الوهم الإسرائيلي بالتفوق". تتجلى من خلال هذا التوجه الإيراني رغبة واضحة في الحفاظ على دورها الرئيسي ضمن أي ترتيبات إقليمية أو دولية.
ويبقى التساؤل الأبرز: هل ستعترف إسرائيل بتنافس الهيمنة الإقليمي؟ وهل ستمنحها الولايات المتحدة مكانة ضمن المعادلات الجيوسياسية المتغيرة في ظل التنافس مع الصين وروسيا؟ إن الأيام القادمة كفيلة بالإجابة على هذه الأسئلة، وتحديد مسار الصراع بين خيارَي التشدد والعقلانية.
التعليقات