إنَّ العنوان الصحيح لهذا المقال يجب أن يكون (النازحون العراقيون والضيوف اللبنانيون) لأنَّ مشكلة ومعاناة ومصيبة النازحين العراقيين هي أقدم وأسبق وأكبر وأكثر تأثيراً وعذاباً لعشرات الآلاف من العراقيين الذين يمتلكون هوية الأحوال المدنية الأصلية "أم النخلة والفسفور" وشهادة الجنسية العراقية، اللتين تطورتا في الزمن والعهد الجديد إلى البطاقة الوطنية التي لا يستطيع المواطن الحصول عليها إلا بعد محاولات ومراجعات وتحقيقات وبصمات للأصابع العشرة والعيون، ولكن مع ذلك فقد استقر بهم المقام في مخيمات ومجمعات وعشوائيات على أطراف المدن وأماكن الإهمال من دون حلول أو بدائل تقدم لهؤلاء العراقيين المعذبين في بلدهم وعلى أرضهم وبين أهاليهم وذويهم.

أمَّا الضيوف اللبنانيون فأهلاً وسهلاً بهم، وكما يقول الشاعر: "يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا نحن الضيوف وأنت رب المنزل"، وهو ما دعا الجهات الرسمية إلى إطلاق وصف "الضيوف" حتى لا تتخدش مسامعهم من كلمة نازح أو لاجئ، رغم أن التوصيف القانوني لهم في القانون العراقي والدولي هو "لاجئون"، ولا عيب أو عار في هذه التسمية التي يحملها ملايين العراقيين ومنهم الكثير من الطبقة السياسية الحاكمة الذين لم يكونوا سُوَّاحاً أو ضيوفاً في بلاد الهجرة والنزوح.

لكن يبقى العراقي يُبالغ في كل شيء في المحبة والكره والتأييد والرفض والموالاة و…، وإلا فما هو تفسير كل هذا الاهتمام الرسمي الحكومي والشعبي وغيره (بالضيوف اللبنانيين) وتشكيل لجان تعمل باتجاهات ومهام مختلفة، بالجانب الصحي بإرسال فرق طبية إلى لبنان للوقوف على الحالات الموجودة في المستشفيات اللبنانية وتقديم الدعم لها وتوفير الأجهزة والمستلزمات والعلاجات، ونقل بعض الجرحى لتلقي العلاجات في المستشفيات العراقية وإجراء العمليات وكامل الرعاية الطبية.

إقرأ أيضاً: متى يتسلّم موظفو الإقليم رواتبهم؟

وفي الجانب الغذائي، إرسال مواد غذائية ولوجستية إلى سوريا بعد فتح مكتب هناك لتقديم السلال الغذائية، ونقل بعض الأسر إلى العراق، وبعد توقف النقل تم استئجار فنادق في سوريا لإسكان الأسر هناك، وتوفير السكن للضيوف في العراق واستئجار فنادق وشقق للأسر اللبنانية، وتقديم وجبات الطعام لهم والرعاية الصحية للضيوف الذين تجاوز عددهم (13) ألفاً، وأصبح عددهم في محافظة عراقية واحدة أكثر من (3) آلاف و(750) ضيفاً، وهو ما أضاف مهاماً ومسؤوليات جديدة إلى الحكومة العراقية ووزارة المهجرين العراقية التي لم يعد يشغلها أو يهمها إلا التشديد على تضافر الجهود وتقديم أفضل الخدمات لضيوف العراق، وإعلانها: "سنبني مجمعات سكنية خاصة إذا طال مكوثهم في البلاد مع توفير جميع احتياجاتهم اليومية". كما أعلنت إحدى الجامعات الأهلية عن منحة دراسية مجانية لكل الطلاب لمدة أربع سنوات مع سكن ومصاريف للأشقاء الضيوف.

بالمقابل، يعيش حوالى (3.6) ثلاثة ملايين وستمائة ألف عراقي في المناطق العشوائية التي تسمى بأحياء "التجاوز" باللهجة المحلية، بحسب وزارة التخطيط العراقية، وعدد المساكن بالمناطق العشوائية في عموم العراق يبلغ 560 ألف مسكن، يعيش فيها 3.6 مليون مواطن.

إقرأ أيضاً: حل أساسه الدستور والنظام الاتحادي

ويضاف إلى العدد أعلاه عشرات الآلاف من النازحين في المجمعات داخل وخارج العراق، وملايين الفقراء والمحتاجين للسلة الغذائية، وملايين العاطلين والشباب الذين يبحثون عن أمل أو فرصة للحياة والمستقبل، والذين هم بأمسّ الحاجة إلى عناية واهتمام الحكومة والجهات الرسمية والشعبية والدينية والمجتمعية، والمتلهفين إلى شمولهم بجزء قليل أو يسير مما يتمتع به الضيوف اللبنانيون!