بعد أربعة عقود من إنتاج الأزمات والحروب في المنطقة واستغلالها لصالح بقائه، يبدو أن نظام الجمهورية الإسلامية الإيرانية، بعد سلسلة من الهزائم الأخيرة، وخاصة سقوط حليفه نظام بشار الأسد، لم يعد لديه القدرة والوسائل اللازمة ليتلاعب كما كان يفعل سابقًا بأمن المنطقة واستقرارها.
مع الأخذ في الاعتبار الهزائم غير العادية التي تعرض لها النظام الإيراني في المنطقة، وخاصة فقدانه لسوريا كعمق استراتيجي، لم يتبق له سوى العراق. في هذا البلد، توجد الميليشيات والأحزاب التابعة له التي يكرهها الشعب العراقي بسبب دورها السلبي في نهب ثروات البلاد، وأيضًا لدورها المهم في نشر الفساد والفوضى. لذلك، لا يوجد ما يمكن أن يمنح النظام الثقة والاطمئنان بشأن ضمان بقاء دوره ونفوذه كما هو، خاصة بعد الأحداث التي جرت لحزب الله ونظام بشار الأسد. يبدو أن مستقبل نفوذ النظام في العراق أيضًا غامض، مما يزيد من قلقه.
بالرغم من أنَّ النظام الإيراني يسعى إلى اتخاذ الحذر عند تنفيذ مخططاته ومؤامراته، إلا أنه بعد انسحاب القوات الأميركية من العراق في عام 2011، كان هذا النظام غالبًا ما يتجاوز الحدود في تنفيذ برامجه في دول المنطقة. ومع ذلك، فإنه الآن يحاول أن يظهر نفسه كطرف يسعى لتحقيق السلام والأمن والاستقرار. لكن يجب الانتباه إلى أن دول المنطقة والدول الغربية المعنية بالشأن الإيراني تعلم جيدًا أن هذا النظام مضطر الآن لاتباع مثل هذه السياسة، وإذا أتيحت له الفرصة، فسيعود إلى سلوكياته السابقة وكأن شيئًا لم يتغير.
في هذه الظروف الحرجة، يواجه نظام الجمهورية الإسلامية تحديات داخلية وخارجية متعددة. لقد زاد الاستياء العام من السياسات والأداء الاقتصادي والاجتماعي والسياسي لهذا النظام بشكل كبير، وأصبحت الاحتجاجات الشعبية أحد أبعاد الأزمة الجادة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الضغوط الدولية الناتجة عن العقوبات والانتقادات العالمية قد زادت من مشاكل النظام.
إقرأ أيضاً: مقاومة إيران وتغيير السياسات العالمية
هذه الوضعية لا تؤثر فقط على قدرة النظام على إدارة الأزمات، بل تطرح أيضًا مشروعيته موضع تساؤل. وبالتالي، يواجه النظام تحديين أساسيين: الحفاظ على السلطة أمام الاستياء الداخلي، ومواجهة التهديدات الخارجية التي قد تؤدي إلى مزيد من تآكل موقعه.
وفي هذا المجال، نرى استعداد العاصمة الفرنسية باريس لاستضافة واحدة من أكبر التجمعات للإيرانيين في الخارج يوم السبت 8 شباط (فبراير) 2025، مما يُظهر عزم الإيرانيين على تغيير الوضع الحالي. هذا التجمع يأتي بمناسبة الذكرى السنوية للثورة المناهضة للملكية عام 1979، ويهدف إلى تأكيد مطالب الإيرانيين لإنهاء الديكتاتورية وإقامة نظام ديمقراطي في إيران. يمثل هذا الحدث تجسيدًا للتضامن بين الإيرانيين داخل وخارج البلاد، ويشكل فرصة لجذب انتباه المجتمع الدولي إلى أوضاع حقوق الإنسان والحريات الأساسية في إيران.
إقرأ أيضاً: فشل سياسة المسايرة
غارق النظام الإيراني اليوم، مع جميع المظاهر الخادعة التي يسعى لإظهار نفسه بها، في أزماته. علي خامنئي، ولي فقيه هذا النظام، أكد بشأن ضعف النظام أن الذين يظنون أن هذا النظام ضعيف هم مخطئون. ولكن ما نسيه خامنئي هو أن عالم عصر الإنترنت والتقدم العلمي لا يُقاس فقط بالأقوال والنظريات، بل يُقيَّم بناءً على الأدلة العملية. ومن الواضح أن خامنئي ليس لديه دليل عملي لإثبات ادعاءاته. اليوم، غرق نظام الجمهورية الإسلامية في أزمات أعمق؛ وضعية لا يمكن انتظار إنقاذها منها. هذا الغرق ليس له إنقاذ، بل يمثل نهاية الحياة السياسية لهذا النظام.
التعليقات