دائمًا ما تُوصَف الدول التي لديها عجز في الموارد وتواجه تحديات اقتصادية بـ"دول العالم الثالث"، التي توجد بها نسبة كبيرة من الفقر والتضخم، نظرًا لقلة إمكانياتها ومواردها، فما بالك بمن لا يملك "قطعة خبز" أو كوب ماء نظيف أو جدار يحميه ويستر عورة نسائه.

لا يمكن المقارنة بين دول العالم الثالث وقطاع غزة الجريح؛ فالأوضاع المعيشية في تلك الدول، رغم ما تواجهه من صعوبات جمّة في تلبية متطلباتها، إلا أنها في النهاية تستطيع الوفاء بالاحتياجات الأساسية لشعوبها، حتى وإن كانت تعاني من ارتفاع الأسعار، أما شعب غزة، فيمر بأصعب مرحلة في تاريخ البشرية، فلا يملك أي مواطن غزّاوي وجبة واحدة طوال اليوم، أو غطاء يحميه من شدة البرد الذي ينهش الأجساد النحيلة.

وإذا نظرنا إلى التقارير الأممية، نجد سكان غزة يواجهون مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي الحاد في المرحلة الخامسة، التي تواجه فيها الأسر نقصًا شديدًا في الغذاء، والتضور جوعًا، واستنفاد القدرة على المواجهة، مع صعوبة زيادة عمليات توصيل الغذاء والخدمات.

العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد المدنيين أدّت إلى تدهور الأحوال المعيشية في غزة بشكل كارثي، ونزح أكثر من مليون شخص في أنحاء قطاع غزة، وتركّز السكان في مناطق تفتقر إلى حدٍّ كبير للمياه والصرف الصحي والنظافة الصحية والرعاية الصحية وغيرها من البنية الأساسية، ما يزيد من مخاطر تفشي الأمراض، الأمر الذي ستكون له آثار كارثية على التغذية والحالة الصحية لقطاعات كبيرة من السكان.

وتعاني أكثر من نصف الأسر من عدم القدرة على شراء الطعام، واضطرت إلى استبدال ملابسها بالمال، فيما لجأ ثلث الأسر إلى جمع النفايات لبيعها، ويقضي عدد كبير من الأسر أيامًا وليالي كاملة دون تناول أي طعام.

تدمير البنية التحتية في غزة على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي أدّى إلى انهيار النظام الصحي، الذي يعاني أصلًا من الآثار الطويلة الأجل للحصار المفروض منذ 16 عامًا، إضافة إلى عمليات التصعيد العسكري السابقة، إلى جانب تدمير رؤوس الأموال، والنزوح القسري، والقيود المفروضة على حركة الأشخاص والبضائع في الضفة الغربية، وتعليق أو خصم التحويلات الضريبية من إسرائيل إلى السلطة الفلسطينية.

وتفاقمت الأوضاع الإنسانية مع قدوم فصل الشتاء، لأن الخيام التي لجأ إليها المواطنون تقع في المناطق الساحلية، وهي منطقة صغيرة تتدفق إليها المياه من الشرق إلى الغرب، وبالفعل هناك مئات الخيام التي انتشرت على شاطئ البحر، وسحبتها أمواج البحر قبل أيام، والخطر يداهم مراكز الإيواء الموجودة في مناطق السيول والأودية، وربما تواجه الكثير من الإشكاليات.

إقرأ أيضاً: سوريا ومخاطر عودة الإرهاب

الخيام تقادمت لأنها تؤوي النازحين منذ نحو عام، وهي مصنوعة من البلاستيك والقماش، ولا تستطيع أن تصمد أمام المطر للمرة الثانية، وكذلك أمام الرياح والسيول التي قد نشهدها في مختلف المناطق، خاصة في وسط وجنوب قطاع غزة، ومدينة غزة تحديدًا.

هناك عائلات لجأت إلى بقايا منازلها وركام الأبنية، وهي منازل معرضة للسقوط في ظل المطر والريح والعوامل المناخية وتدفق المياه، وهذا أمر خطير للغاية، في ظل فقدان الملابس والبطانيات ووسائل التدفئة، خاصة أن البطانيات استُخدِمت لتغطية الخيام، بينما الاحتلال يرفض إدخال الخيام إلى القطاع، ويمنع إدخال الشوادر والأغطية لمواجهة الأمطار، كما يمنع وصول الآليات والمعدات اللازمة لوضع سدود أمام تدفق المياه والسيول المحتملة.

كثيرون دفعوا حياتهم ثمنًا من أجل توفير المواد الغذائية، بجانب حالة العطش التي يعاني منها جميع سكان غزة، في ظل عدم توافر المياه النظيفة للشرب أو للاستخدام اليومي، وعدم القدرة على توفير أدوات النظافة، وسط رفض الاحتلال الإسرائيلي إدخالها والتعامل مع هذه الاحتياجات، ما أدى إلى انتشار الأمراض والأوبئة وضعف المناعة لدى جميع فئات سكان غزة، خاصة الأطفال والنساء.

إقرأ أيضاً: لهذه الأسباب طويت صفحة حماس

لا شك أن هناك أطرافًا تختلف سياسيًا مع حركة حماس، وليس لديها قناعة بحكم الحركة للقطاع، وترى ضرورة عودته إلى سيطرة السلطة الفلسطينية، كما ترى أن عملية "طوفان الأقصى" في 7 تشرين الأول (أكتوبر) كانت السبب الرئيسي في دمار غزة ومعاناة المدنيين، لكن الوضع القائم الآن يتطلب بشكل مُلحٍّ تجنّب الخلافات السياسية، ويحتاج إلى تكاتف وترابط من مختلف الدول العربية، لإعادة إعمار غزة، وتوفير كل ما يحتاجه الغزيون لمتطلبات المعيشة، والأهم هو اتخاذ موقف عربي موحد، للعمل على إنهاء الحرب الإسرائيلية على القطاع بشكل كامل.