رغم هدوء الأحداث في غزة ودخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ بعد هدنة اتفقت عليها إسرائيل وحركة حماس، لعلها تطيب جراح الأهالي من منكوبي الحرب التي دامت أكثر من 470 يوماً، يبدو أن الاحتلال الإسرائيلي قد حوّل وجهته إلى الضفة الغربية، وكأنه يريد إشعال الأحداث على أرض فلسطين ولا يرتضي أي هدوء قد يحل على السكان.
قد يُفهم من السياق الزمني الذي بدأت فيه عملية السور الحديدي أنها رسالة موجهة للخارج والداخل على حد سواء. داخلياً، تسعى الحكومة الإسرائيلية لتقديم نفسها كحامية للأمن القومي، خصوصاً أمام اليمين المتطرف الذي يدفع نحو تصعيد دائم. أما خارجياً، فهي رسالة تحذير للفلسطينيين بأن أي محاولات للمقاومة ستُقابل بقوة ساحقة، وهو ما يعكس السياسة الإسرائيلية التقليدية القائمة على فرض الأمر الواقع بالقوة.
العملية في جنين تُضاف إلى مشهد معقد بالأساس، حيث تعيش الضفة الغربية على وقع توترات متزايدة بين الاحتلال والسكان الفلسطينيين. ومع استمرار الاجتياحات والاعتقالات، يتزايد خطر انفجار الأوضاع في المنطقة، مما يجعل "السور الحديدي" خطوة قد تأتي بنتائج عكسية.
ومع تكثيف الاحتلال اجتياحه لجنين، يزداد خوف السكان المحليين من التصعيد والأثر المدمر الذي قد يُحدثه على مدينتهم، فينتابهم الخوف من أن يحوّل الاحتلال جنين أو الضفة الغربية إلى غزة ثانية، بأن يحاصر الأهالي ويهدم بيوتهم ويُشعل الأجواء ويقتل الكبير والصغير، فما زالت هناك مخاوف عميقة بشأن الاشتباكات العنيفة في المخيم والاضطراب الذي قد يُحدثه ذلك في حياتهم اليومية.
والمعروف أن جنين ومخيماتها كانت بؤرة لنشاط العناصر المسلحة التي تعتبر نفسها امتداداً لحركة حماس ويدها الضاربة في الضفة الغربية. ويُشكّل تزايد الاشتباكات في المدينة عبئاً متزايداً على السكان، فمع تزايد العمليات العسكرية يُفرض مزيد من التضييق على الحياة العامة والأسواق والمتاجر.
قطع الكهرباء عن الأحياء، تجريف الطرق، إغلاق مداخل المستشفيات بالسواتر الترابية، ونزوح السكان إلى مناطق أكثر أماناً، جميعها مشاهد تعكس حجم الكارثة الإنسانية التي يعيشها أهالي جنين. هؤلاء السكان، الذين تتكرر معهم مآسي التهجير والقتل، يخشون أن يتحول المخيم إلى "غزة جديدة"، تُفرض عليها قيود الحصار والتدمير المستمر.
إقرأ أيضاً: كيف يخدم التصعيد في الضفة الاستيطان؟
والآن، ربما يخشى السكان من تحويل الاحتلال الضفة الغربية، وتحديداً جنين ومخيمها، إلى غزة جديدة. ورغم أن هدف إسرائيل هو محاولة تمهيد الطريق أمام توسيع الاستيطان في داخل الضفة، فإن هذا الهاجس والخوف ما زال يتصاعد داخل نفوس الأهالي يوماً بعد آخر.
وكانت مشاهد نزوح الفلسطينيين من مخيم جنين، مع مواصلة قوات الاحتلال الإسرائيلي هجومها هناك، في الوقت الذي قامت فيه جرافات الجيش الإسرائيلي بتجريف شارع ومدخل مستشفى جنين الحكومي، وأغلقت مداخله بالسواتر الترابية، كما جرفت محيط مستشفى ابن سينا، وتعمدت تدمير شوارع في المدينة وفي محيط المخيم. اعتلى القناصة أسطح المنازل والبنايات السكنية المطلة على مخيم جنين مع تواصل إغلاق مداخله ومنع خروج الأهالي منه، وهو ما مثّل تهديداً صريحاً وواضحاً لحياة السكان وأمنهم.
إقرأ أيضاً: غزة.. الشتاء يقترب والتسوية السياسية تبتعد
ويبدو أن استراتيجية إسرائيل في فلسطين قد شهدت تحولاً إلى الضفة الغربية في الفترة الحالية، لربما تجعلها منطقة اشتباك ثانية بعدما دمرت غزة بالكامل وحولتها إلى ركام. والحقيقة أن ما يحدث في جنين اليوم ليس إلا فصلاً جديداً في مأساة الشعب الفلسطيني. بينما يدفع الفلسطينيون الثمن من أرواحهم وأحلامهم، يبقى السؤال: إلى متى ستستمر هذه الحلقة المفرغة من الحروب والتهجير؟






















التعليقات