مزاعم جيش الاحتلال بتعاون بعض الأسرى المفرج عنهم مؤخراً مع فصائل المقاومة باتت أمراً تحاول به إسرائيل تبرير حملات الاعتقالات الموسعة، التي طالت عدداً من الأسرى المحررين في صفقة التبادل الأخيرة مع حماس، ويعكس تنفيذ الاحتلال لخطة ممنهجة محورها الرئيسي إنهاء القضية الفلسطينية، وسط مساعي التهجير القسري، التي لم تنجح حتى الآن.

عندما توصل أطراف التفاوض إلى هدنة مصحوبة بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، شاهد العالم عملية الإفراج عن عدد من المحتجزين الإسرائيليين، وسط مراسم رسمية نظمتها حماس، كان مضمونها توصيل رسالة للعالم بأنها تلتزم بقوانين معاملة الأسرى. في المقابل، تم الإفراج عن عدد من المعتقلين الفلسطينيين من سجون الاحتلال الإسرائيلي.

حملات اعتقالات موسعة
لكنَّ إسرائيل لا تحترم القوانين الدولية، وتعامل الأسرى الفلسطينيين بطريقة غير آدمية، وهو ما كشفته العديد من التقارير الأممية. ولم يكن الإفراج عن عدد من الأسرى الفلسطينيين مقابل المحتجزين الإسرائيليين إلا "التزاماً وقتياً"، أعقبته حملات اعتقالات موسعة من جانب جيش الاحتلال في مختلف المدن الفلسطينية، ما يعكس الخطة الممنهجة لدى إسرائيل لاستهداف المدنيين.

في أعقاب عملية "طوفان الأقصى"، شن جيش الاحتلال حملات اعتقال موسعة، كان من بينها الأسيرة "سماح حجاوي"، التي لم تسلم من قبضة جنود الاحتلال وتعرضت للاعتقال أكثر من مرة. في عام 2023، تم الإفراج عن الأسيرة "سماح حجاوي" في صفقة تبادل للأسرى بعد قضاء 11 شهراً خلف قضبان سجون الاحتلال، واعتقلت للمرة الثانية بعد هجوم "7 تشرين الأول (أكتوبر)".

وروت الأسيرة التجربة المريرة لها داخل سجون الاحتلال، وأكدت أنها لم تنل أبسط حقوق الإنسان، وهي استنشاق الهواء، مؤكدة أنه كان يتم غلق المنافذ وحجب الشمس والهواء على مدار 23 ساعة يومياً، والسماح بساعة واحدة فقط للتنفس، بالإضافة إلى المنع من الصلاة، وعدم تقديم الأدوية للأسيرات الطاعنات في السن.

أرقام صادمة
ما روته "سماح حجاوي" يعاني منه آلاف الأسرى الفلسطينيين داخل سجون الاحتلال. وتؤكد الأرقام أن عدد المعتقلين ليس بقليل. وتشير الإحصائيات الصادرة عن هيئة شؤون الأسرى إلى أن حصيلة حملات الاعتقال التي نفذها الاحتلال بلغت أكثر من 11 ألفاً و500 حالة اعتقال في الضفة، بما فيها القدس.

وجاءت حصيلة المعتقلات من النساء بعد أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) نحو 430 أسيرة، تشمل هذه الإحصائية النساء اللواتي اعتقلن من الأراضي المحتلة عام 1948، وحالات الاعتقال بين صفوف النساء اللواتي من غزة وجرى اعتقالهن من الضفة، ولا يشمل هذا المعطى أعداد النساء اللواتي اعتقلن من غزة، ويقدر عددهن بالعشرات، إلى جانب ما لا يقل عن 750 طفلاً.

ولم يسلم الصحفيون الذين يؤدون عملهم في الأراضي المحتلة، فقد بلغ عدد الصحفيين المعتقلين منذ بدء الحرب على غزة 132 صحفياً، تبقى منهم رهن الاعتقال 59، من بينهم 6 صحفيات و31 صحفياً من غزة على الأقل ممن تم التأكد من هوياتهم. وبلغ عدد أوامر الاعتقال الإداري منذ بدء حرب الإبادة أكثر من 9392 أمراً، ما بين أوامر جديدة وأوامر تجديد، منها أوامر بحق أطفال ونساء.

واستشهد في سجون الاحتلال بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) ما لا يقل عن 41 أسيراً ممن تم الكشف عن هوياتهم والإعلان عنهم، من بينهم 24 شهيداً من معتقلي غزة، بالإضافة إلى العشرات من معتقلي غزة الذين استشهدوا في السجون والمعسكرات ولم يفصح الاحتلال عن هوياتهم وظروف استشهادهم.

خرق القوانين والأعراف الدولية
هذه المعطيات لا تشمل أعداد حالات الاعتقال من غزة، والتي تقدر بالآلاف، علماً بأن الاحتلال اعترف بأنه اعتقل أكثر من 4500 مواطن من غزة، أفرج عن المئات منهم لاحقاً، مع الإشارة إلى أن الاحتلال اعتقل المئات من عمال غزة في الضفة، إضافة إلى مواطنين من غزة كانوا متواجدين في الضفة بهدف العلاج. وتتزايد الأرقام المذكورة يومياً مع استمرار حملات الاعتقال التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي "عشوائياً".

ولم يكن نبأ اعتقال الأسيرة المحررة "سماح حجاوي" للمرة الثالثة مفاجئاً، بل هو استمرار لانتهاكات الاحتلال وخرقه القوانين والأعراف الدولية التي تنص على عدم اعتقال الأسرى المحررين. وبررت إسرائيل عملية اعتقال "حجاوي" بأنها تتواصل مع فصائل المقاومة دون وجود دليل واضح على ذلك.

مبررات الاحتلال
بالتأكيد، فإن أسرة "سماح حجاوي" تعلم جيداً أن مبررات الاحتلال ليس لها أساس من الصحة، ولا يوجد أمامهم سوى اللجوء إلى المحاكم. وتكمن صعوبة الأمر في عدم احترام إسرائيل لأحكام القضاء، إذ لا يستطيع أحد إجبار الاحتلال على تنفيذ الأحكام التي تصدر عن المحاكم، سواء المحلية أو الدولية.

لم تكن الأسيرة "سماح حجاوي" الوحيدة التي أعاد الاحتلال اعتقالها من جديد، بل هناك العديد من الأسرى والأسيرات المحررين الذين تم اعتقالهم مرة أخرى، ومن أبرزهم حنان البرغوثي التي اعتقلت من منزلها في بلدة كوبر شمال غربي مدينة رام الله. كما اعتقلت قوات الاحتلال 22 مواطناً على الأقل من الضفة، بينهم أطفال وأسرى سابقون و3 سيدات، بينهن أسيرة أفرج عنها في صفقة التبادل مع حركة حماس.